أوقفوا القتل : أعطوا الأسد نصره !
• د. لينيث نوسباتشير
• ترجمة : سنديان الثورة
إن أسرع طريقة لإيقاف القتل في سورية هي بمنح ذلك الوغد ” البطة ” بشار الأسد نصره !
إن دعم الثورة ( وبعبارة أدق الثورات ) في سورية يغذي الحرب الأهلية هناك , ففي حال تدلى الأسد من جذع شجرة عالية , بعد هذا الصراع الطويل والدموي , فإن إراقة الدماء ستستمر عبر التطهير الطائفي الذي سيطال العلويين الزنادقة , وعبر الصراع بين الميليشيات الإسلامية والبقية , وبين الميليشيات الشيعية والبقية !
إن انتصار الأسد المعترف به , سيكون في نفس الوقت , نصرا لفيلق القدس , وهو قسم من الحرس الثوري في إيران , والذي يشكل العمل على بسط النفوذ الإيراني في المنطقة أحد مهماته . صحيح أن ترك فيلق القدس , يحوز ذلك النصر صعب , ولكننا يجب أن نعلم أنه أساسا قد حققه وانتهى الأمر , واستنزاف سورية لمنعهم من الاحتفال بذلك النصر هو غير أخلاقي وغير مفيد في آن معا .
يمكن لإيران أن تفوز حتى لو تم شنق الأسد , فلا بد أن قيادة فيلق القدس قد خططت مسبقا لتحويل عناصر نظام الأسد المنهار إلى ميليشيات علوية , تتمتع بالدعم المشروط من قبل حزب الله والذي يشكل وكيل آخر في المنطقة لفيلق القدس , بعد ذلك ستكون مهمتهم خلق ميليشيا شيعية أكثر تشددا , لأنه سيتوجب تحويل العلويين الزنادقة أو تطهيرهم أو قتلهم , عندما يصبحوا غير مفيدين لطهران !
جميع الميليشيات ستكون مرتبطة وفقا لولاءات عشائرية ومناطقية , ولا يشمل ذلك الميليشيات الإيرانية فقط , بل الميليشيات المدعومة من تركيا , والمدعومة من دول الخليج العربي , والمدعومة من الفرنسيين و الأنغلوسكسون أيضا .
جميل هو تصور سورية بدون الأسد , ولكن بعد مقتل أكثر من مئة ألف سوري , فإن الوقت قد حان لتدارس الطريقة الأفضل لتحقيق تلك الرؤية .
لقد كنا متفقين مع آل الأسد , منذ العام 1990 حين لم تعد سورية حليفا للاتحاد السوفياتي , ولم تكن قد أصبحت حليفا لروسيا بعد , فالأسد العجوز , كان قد ساعد في حرب الخليج الأولى , عبر احتواء صدام حسين من الغرب , والاحتكاك عبر الحدود التركية التي تشكل حدود حلف الناتو الجنوبية , والحفاظ على الهدوء عبر الحدود مع إسرائيل . كلنا كنا نعلم أنه كان وغدا , ولكنه كان وغدا مفيدا ! وعندما وصل بشار إلى سدة الحكم , دار كلام كثير عن كونه إصلاحيا وكيف أنه سيقوم بتحرير سورية . وهذا كان مهما للغرب على اعتباره أولا وغد مفيد , وقد أردنا تجنب تحوله إلى عقب , بسبب السجل المرعب لحقوق الإنسان في سورية . قد ثبت بشار الاستقرار تماما مثل والده , وكانت عائلة الأسد الداعمة للإرهاب , تدعم أيضا معدلات ضخمة من إنتاج المخدرات والأوراق المالية الأميركية . إن سيطرتهم الطويلة على لبنان , ومواجهتهم مع إسرائيل سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء , كانت مزعجة في المقام الأول للشعبين اللبناني والإسرائيلي , ولكنهم في النهاية كانوا يضمنون الاستقرار . فالحدود مع إسرائيل كانت هادئة منذ العام 1973 , والحدود مع تركيا والعراق كانت مؤمنة منذ العهود الاستعمارية في المنطقة . لقد أبقى بشار المنطقة مستقرة , حتى قمنا بإفساد ذلك عبر حث الناس على إسقاطه , ومن ثم مساندتهم في ذلك .
لقد قمنا بتجاهل حق العرب في اختيار قادتهم أسوة ببقية شعوب العالم , ولقد قمنا بذلك في سورية عبر أجيال متعاقبة .
لم نقم باتباع منهج استراتيجي سليم لتحرير العرب , لقد تجاهلناهم , بغض النظر عن ذلك الانفجار الغريب الذي رافق عملية اجتثاث البعث في العراق , لقد تجاهلناهم حتى انفجر الربيع العربي مع ما رافقه من إثارة رومانسية , وعندها اعتمدنا على تأمل نهاية سعيدة لقصة الربيع العربي , وقمنا بمراقبة تحول حركة احتجاج سلمي في سورية إلى ثورة مسلحة بكثافة , والتي يعتبر نظام الأسد مصمما أصلا لسحقها . لقد كنا مأخوذين بحكاية الربيع العربي لدرجة أننا توقعنا أن يسقط نظام الأسد بنفس طريقة سقوط مبارك .
هل كنا نتوقع أن يبيع الروس الأسد مثلما بعنا مبارك ؟! كلا نحن لم نكن نتوقع أن تذهب الأمور لذلك الحد . لقد تركنا المصريين لسنوات محرومون من حقوقهم لأننا علمنا أن الانتخابات الحرة سوف تأتي بتنظيم الأخوان المسلمين إلى السلطة ! ولنفس السبب قامت الولايات المتحدة بإعاقة الانتخابات الفلسطينية لأن حماس قد تفوز بها مرة أخرى . تلك الحسابات لم تكن جزء من حكاية الربيع العربي , فحسب روايتنا فإن مبارك سقط لأنه كان ديكتاتورا سيئا وعجوزا . وليس لأن اليانكي قاموا بإسقاطه , لقد تجاهلنا التورط الغربي في إطالة عمر نظام مبارك , كما تجاهلنا الدعم الروسي للأسد .
بالطبع لم يكن الروس مهتمين بقصة الربيع العربي , وسيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي قضى العامين الماضيين في التصريح بحقائق مقبولة حول الوضع في سورية , ونحن في الغرب قمنا بوضع أصابعنا في آذاننا , إذ على اعتبار لافروف هو رجل بوتين , فإننا تجاهلنا تقديره السليم للأمور عندما يقول أن دعم معارضي الأسد يطيل أمد الصراع .
لم يكن للثوار من فائدة ترجى في الثورة , ومع وصول شحنات الدعم النقدي من قطر , فإنهم سحقوا مرة بعد أخرى .
لم يكن الثوار السوريون وحدهم من اعتقد أنه قادر على إسقاط حكم الأسد , ولكن كذلك فعلت الحكومات الغربية التي وجدت قصة الربيع العربي مستساغة أكثر من أحاديث الأشخاص العارفين بتاريخ المنطقة . والذين خاب أملهم في المحصلة مثلنا تماما .
حسب ماوتسي تونغ والذي كان يعلم أمرا أو اثنين عن الثورات , فإنه نادرا ما تتوفر الفصة لتدريب الثوار قبل بدء الثورة , وقد قام بوصف مرحلة تنظيم وبناء تسبق الدخول في حرب العصابات ثم الحرب المفتوحة , ولكن حزب الله حليف الأسد اللبناني يعلم كل شيء عن ذلك , وكذلك حركة حماس , الذين يوفرون التعليم والرعاية الصحية جنبا إلى جنب مع الصدريات شديدة الانفجار .
لقد كتب ماو عن فترة من الانضباط الداخلي وبناء الثقة , ولكن الثورة السريعة في ليبيا بينت أنه يمكن تجاهل هذه الفترة المملة مع توفر دعم صادق من القوات الجوية التابعة لحلف الناتو , لقد ذهب الثوار الليبيون مباشرة إلى مرحلة الحرب المفتوحة , ومع توفر دعم مكثف فإنهم تمكنوا من الإطاحة بالقذافي تقريبا قبل أن يرتدوا البذات العسكرية المصنعة في أميركا .
تشكل بلقنة سورية , أفضل تصور للغرب كنهاية للعبة , حيث يقوم كيان سني مدعوم من القطريين والسعوديين مناهض لطهران , وجيب علوي محكوم عليه بالفقر والتبعية , وشريحة سميكة من كردستان والتي ستقتطع من كردستان العراق وستكون بطريقة أو بأخرى مقبولة من قبل الأتراك والشيعة العراقيين , بالإضافة إلى كيان يمتد عبر الحدود السورية اللبنانية تحت سيطرة حزب الله , هم يتخيلون لبنان متفوق كبير وموحد , وهذا طبعا قد يشمل كامل لبنان , وهو تصور متخيل ولكنه غير قابل للتصديق .
مرة أخرى , إن رؤية سورية بدون الأسد , هي شيء جيد , ولكن مع سقوط أكثر من مئة ألف ضحية في سورية , فإن الوقت قد حان لتقدير أفضل السبل لتحقيق ذلك , إن وضع السياسات الغربية في شرق المتوسط بأيدي وكلاء غير كفوئين وغير مؤهلين للسلطة كحزب الله , ليس الطريقة المثلى لتنفيذ ذلك .
لقد شجعنا نحن الغربيون , العرب على حمل السلاح ضد حكامهم المستبدين , وتحملنا المسؤولية تجاه ذلك , وقد كنا مسؤولين بشكل جزئي عن الفوضى التي نجمت , كما يتحمل من دعم وانضم للثورة الجزء الآخر من المسؤولية . إن طريقة الأسد لوقف القتل هي بخلق أرض محروقة وتسمية ذلك سلاما , يتوجب علينا تحمل المسؤولية لوقف القتل قبل أن يقتل جميع السوريين , والطريقة الوحيد لإنجاز ذلك فورا هي بوقف الدعم للثوار في سورية , و الاتفاق مع داعميهم لسحبهم وإعادة توطينهم بعيدا عن قبضة الأسد .
يشكل تدريب أولئك الثوار وتسليحهم وتحضيرهم للعودة و إسقاط الأسد , والتأكد من بناء مشنقة لتعليقه عليها , خطة جيد وتنسيق ممتاز , بكل معنى الكلمة .
ولكن يتوجب أولا وقبل كل شيء إيقاف حمام الدم اللامعقول هناك .
• د . لينيث نوسباتشير : هي محللة استراتيجية و محامية الشيطان , وهي شريك أساسي في مؤسسات نوسباتشير للدراسات , و أستاذ محاضر في دراسات الحرب في الأكاديمية الملكية العسكرية في ساندهارست , وكانت مسؤولة الأمن القومي العليا في المملكة المتحدة .
The source web site: http://blogs.timesofisrael.com
The article link: http://blogs.timesofisrael.com/stop-the-killing-give-assad-his-win/?fb_comment_id=fbc_430025783779152_2160137_430891937025870