أولوية وقف القتال
عبدالله إسكندر
يستضيف مجلس الأمن الموفد المشترك الى سورية الاخضر الابراهيمي بين فترة وأخرى، عله يمكن ان يقدم جديداً احرزته مهمته، فإذا به يكرر اللازمة اياها، مضافاً اليها هذه المرة نفي استقالته من هذه المهمة التي لا تحقق اي تقدم. ويجتمع «اصدقاء الشعب السوري» بين فترة وأخرى للتباري في اعلان الدعم لهذا الشعب المنكوب وتقديم وعود لإغاثته.
وبين الاجتماعين يسقط آلاف الضحايا السوريين بين قتيل وجريح ومعتقل ومهجر، وتتكبد البلاد واقتصادها مئات ملايين الدولارات. لا بل تتزايد الخسائر البشرية والمادية على نحو يتناسب مع وتيرة عقد مثل هذه الاجتماعات… الى حد يطرح التساؤل عما اذا كان الغرض من هذه الاجتماعات هو فقط لإراحة الضمائر ام للتغطية على الكارثة.
من الكم الهائل من الافكار والآراء والخطط التي جرى التداول فيها في كل الاجتماعات المعنية بالوضع السوري، الجماعية او الثنائية، تمكن ملاحظة قاسم مشترك يتمثل في القناعة باستحالة الحل العسكري وبأن الحل السياسي ينبغي ان يتضمن ضمانات لكل مكونات المجتمع السوري، قبل ان يصبح مثل هذا الحل مستحيلاً وتتوجه البلاد نحو الخراب الشامل او التقسيم.
واضح ان المفاوضات السياسية تتناول هذه الضمانات التي تتعلق بشكل النظام المقبل وطبيعته الدستورية والقانونية وحقوق المواطنة. وقبل ذلك الاطراف السورية التي يمكن ان تشارك في مثل هذه المفاوضات. وهذه عملية معقدة اصلاً وتتعقد اكثر مع استمرار الكارثة التي تباعد اكثر فأكثر بين السوريين. وفي الغضون يستمر القتل والتهجير والتدمير.
والسؤال هو لماذا لا يصدر مجلس الامن، بعد الاستماع الى موفده الى سورية، بياناً ببند وحيد يتعلق بإلزام الاطراف السوريين وقف القتال، في انتظار الاتفاق على الحل السياسي؟ لعل وقف القتل والتدمير يسهل التوصل الى الحل السياسي.
ولماذا لا يدفع «اصدقاء الشعب السوري» ومحبوه في اتجاه حمايته من القتل والتهجير والتدمير بالضغط الفعلي لوقف القتال؟ اذ إن وقف القتل والتدمير يبقى الشرط الشارط لحماية هذا الشعب وبقائه في ارضه، وتوفير الأعباء المادية الضخمة الضرورية لبناء المخيمات وإغاثة المهجرين في ارض اللجوء، في الداخل السوري او الجوار. ام ان المجتمع الدولي، بشطريه «اصدقاء الشعب السوري» و «اصدقاء النظام السوري»، ما زال يعتبر حتى الآن ان اكلاف اغاثة اللاجئين تظل اقل عبئاً من فرض الزام وقف القتال والتشريد؟
لقائل ان يعتبر ان الاوضاع السورية لم تنضج بعد لإنتاج حل سياسي، كما ان ميزان القوى العسكري على الارض لا يتيح فرض حل في اتجاه ما. وان المجتمع الدولي، خصوصاً الدول الكبرى، ينتظر مزيداً من الانهاك للأطراف لتقتنع بضرورة التوجه نحو التفاوض.
وإذا صح مثل هذا القول الذي يردده معظم المحللون استناداً الى مواقف الاطراف الدولية، فإنه لا يشكل اعنف ادانة اخلاقية للمجتمع الدولي فحسب، وانما ايضاً يشكل مضبطة اتهام لقوى هذا المجتمع بالتواطؤ في عمليات القتل الجماعي والجرائم ضد الانسانية التي ترتكب يومياً وعلى مدار الساعة في سورية او السكوت عنها.
ان يستمع مجلس الامن الى حصيلة مهمة ميزتها الاساسية الجمود، مسألة روتينية في عمل الامم المتحدة، لكن الحد الادنى في وظائف هذا المجلس هو الحفاظ على السلم الذي باتت شظايا القتال السوري تهدده بتمددها الى كل الشرق الاوسط. كما ان وظيفة المجلس حماية الناس من القتل الجماعي والوقوف في وجه الجرائم الجماعية وضد الانسانية. ويخل المجلس بوظيفته، الاخلاقية والسياسية، ما لم يلزم الاطراف السوريين بوقف العنف وتالياً فرض وقف القتال كأولوية مطلقة.
الحياة