صفحات العالم

لا جديد في سوريا


فواز طرابلسي

أطلق النظام السوري أول رصاصة على مبادرة المبعوث العربي والأممي الأخضر الإبراهيمي حين أبلغه الوزير وليد المعلّم بآخر الشروط: لا حوار وطنياً إلا بعد وقف الدول الغربية والعربية تسليح المعارضة، علماً بأن تهمة التسليح إذا كانت صحيحة فهي قطعاً ليست تنطبق بعد على توفير الأسلحة التي تحمي من قصف الطيران. ولنتذكر أن رفض النظام وقف إطلاق النار المتزامن وتحايله على انسحاب المدرعات من المدن، ثم تخريبه كلياً، دقت الإسفين القاتل في مبادرة كوفي أنان. ومع ذلك يبدو أن الشرط الذي أعلنه وزير الخارجة لم يصل إلى رئيس الوزراء الذي دعا كل مَن يريد الانخراط في العملية السلمية الى أن يكون الى طاولة الحوار، من دون أن يبلغنا أين توجد الطاولة العتيدة ولا مَن إليها، ولم يمنع من تنظيم مؤتمرات جديدة للانقاذ.

أما الذين تأملوا خيرا وانفتاحا وتسامحا من «مؤتمرالانقاذ» للمعارضة الداخلية الرقم واحد، لمجرد انه انعقد وقيل فيه ما قيل من العيار الذي اعتبر ثقيلا، على الرغم من اعتقال منظّم المؤتمر واثنين من اعضائه، فلا بد من انهم فوجئوا بانعقاد مؤتمر المعارضة الداخلية الثانية بعده بأيام قليلة. وتمشيًا مع سياسة النفاق، التي صارت ملح الرجال، اعلن السفير الروسي امام المؤتمِرين معارضته ودولته وبلاده «التدخل الخارجي»، واشاد السفير الايراني بـ«الاصلاحات» التي بدأت الحكومة – السورية، طبعا – في تطبيقها، بينما وزير خارجيته يحذّر «سوريا» من استخدام اسلحتها الكيميائية والجرثومية، تعبيرا عن ذورة جديدة من الفهلوية يزدوج فيها اللسان المخابراتي ازدواجا: يهدد الغرب بالسلاح الكيميائي والجرثومي السوري بلغة تحذير النظام السوري من استخدامه!

وفي المؤتمر، وقف مندوبٌ «شيوعي» يكرّر فعل الايمان برفض «العنف والتدخل» (تدخل «حاف»!) لكنه أصر في الوقت ذاته على ضرورة «تغيير النظام» باعتباره «نظاما دكتاتوريا وقمعيا!». وانوجد بين الحضور قدري جميل، نائب رئيس وزراء «النظام الدكتاتوري القمعي» لكنه حاضر بصفته الشخصية، وبتلك الصفة بالذات رفض ادعاء احد الصحافيين أن مؤتمره لن يخرج بقرارات «أهمّ» من قرارات «مؤتمر الانقاذ».

ما الجديد ليكتب المرء عن سوريا؟

لا جديد عن سوريا غير الكلام.

امير قطر، وقد تهمّش دوره وبهت في الآونة الاخيرة، يدعو الى تدخل عسكري عربي. وينضبط وراءه ابرز الاحزاب الحاكمة التابعة لـ«التنظيم الدولي للاخوان المسلمين» وذلك بعد ان اطلق النظام السوري برميلا متفجرا قضى على مبادرة الرئيس مرسي الرباعية. ولوران فابيوس، وقد كان يعزف متذمرا، هو واسلافه، على وتر توحيد

المعارضة السورية، يعلن جنوح الديبلوماسية الفرنسية نحو «التطرف» إذ فتحت «مفاوضات مباشرة» مع المعارضة… المسلحة. والولايات المتحدة زادت مساعدتها المالية للمعارضة التي ترتضي الرشوة والتبعية. والرئيس اوباما لم يتحدث كثيرا، مؤخرا، عن ضرورة تنحي الرئيس الاسد. اما وزيرة خارجيته، السيدة هيلاري كلينتون، فقد أعلنت للمرة العاشرة اقلا، بعد لقاء مع نظيرها الروسي، ان الخلاف لا يزال مستمرا بين واشنطن وموسكو حول سوريا. كأننا لم نكن نعرف.

فهل من جديد؟

الجديد ان مهلة الاشهر العشرة او ازود المعطاة للنظام ان «يحسم» فيها، منذ حماه وبابا عمرو وصلاح الدين، وفوقها العشرة ايام التي وضعها لنفسه، منذ قرابة شهر، لـ«حسم» معركة حلب، قد انقضت ولا حسم. والجديد ان «الجيش السوري الحر» بدأ يقع في الفخ نفسه إذ اخذ يحمّل نفسه مهمة السيطرة عسكريا على حلب او اعلان الانهزام.

لكن لا جديد في ان النظام يعرف، والقوى العربية والغربية تعرف، ان ما من احد مستعدّ للتدخل عسكريا ضده، لألف سبب وسبب، في مقدمها ان النظام، الذي لا يزال يسيطر على القسم الاكبر من جيشه واسلحته الاستراتيجية، كان ولا يزال عنصر استقرار على الحدود الشمالية لدولة اسرائيل، وان النظام هذا هو المرجع الرئيس للجناح العسكري لـ«حزب الله» وقراره العسكري.

والنظام يعرف ذلك وهم يعرفون. ويعرفون ان اي إمكان للبحث في نظام بديل يتوقف على توفير نخبة حاكمة تؤدي المهمة ذاتها وتضمن «تماسك الجيش السوري» الذي يحرص عليه ليون بانيتا، وزير الحرب الاميركي، كل الحرص. فلا اهمية اذا كان هذا الجيش، في تلك الاثناء، يدمّر نفسه وهو يقتل شعبه ويدمّر بلده.

يوجد جديد داخليا.

يعرف النظام ان خطوط دفاعه الداخلية تتآكل، بعد ان عجزت القوى التي قذف بها الى مواجهة ـ يتصورها حربا عسكرية ـ من الشبيحة والامن والجيش النظامي بمشاته ومدرعاته، عن اخماد الانتفاضة الشعبية السلمية وعن احتواء المعارضة المسلحة. امامنا الآن بوادر انتقال الى خرق خطوط حمر جديدة تتعلّق بموضوع «الاقليات» تحديدا. فالنظام الذي اسس «الحزام العربي» العام 1963 من اجل التعريب القسري للمناطق الكردية بتشتيت سكانها وتوطين عشائر عربية في وسطها او محلها، اقدم مؤخرا على تسليم اجزاء واسعة من المناطق ذات الاكثرية الكردية الى الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني والاحزاب الكردية الحليفة. وسرعان ما اتى هذا «الاستقلال الذاتي» مفعوله في نمو الاحتكاك المسلّح بين المعارضة العربية والقوى الكردية. فكان التفجير في الحي العربي في القامشلي، والانذارات التي وجهها قائد «لواء التوحيد» للفرع السوري من حزب العمال الكردستاني بإلقاء السلاح. وهو انذار على قدر من الرعونة لا تستوجبه معالجة هادئة للمسألة الكردية، في اطار سوريا الموحدة، بل لعله يشي بضرورات تركية اكثر منه بمصالح وطنية سورية.

ومن جهة ثانية، تتزايد المؤشرات الى تشجيع النظام جماعات مسيحية على التسلّح في «لجان شعبية» بحجة «الدفاع عن النفس» في دمشق وحمص وحلب وانتقاله مؤخرا الى السعي ذاته بالنسبة للارمن.

ما الجديد للحديث عن سوريا؟

لا جديد. الوقت يشتريه النظام بالغالي من دماء السوريين ومن تدمير البلد والممتلكات والثروات والجيش والمؤسسات.

لأن النظام يعرف ان هذا العالم الظالم المشلول المنافق لا يستطيع شيئا تجاهه، فلا جديد في سوريا غير القتل والدمار.

ولأن النظام بات يعرف ان لا نصر في حربه ضد قسم حيوي من شعبه وضد انتفاضة شعبية سلمية ومسلحة، لم يعد له الا القتل وهو يتخذ اكثر فأكثر شاكلة سياسة الارض المحروقة: طيران يقصف ويدمّر ويحرق بالقاء البراميل المتفجرة والحارقة على سكان الاحياء. والجديد؟ الحرق والتدمير يطاولان ابرز واثمن عمارات التراث التاريخي السوري، وفي مقدمها سوق حلب، اجمل واطول واقدم سوق تاريخية في الدنيا. والجديد؟ عقوبة تدمير المنازل والحوانيت، من مثل تدمير واحراق المنازل في حي القابون بدمشق عقابا لاهله على مشاركتهم… في التظاهرات!

ولا جديد. فلسان حال اهل النظام وما نقل عن رموزه من اقوال مأثورة في اكثر من مناسبة، يعلن ذروة هذه الفاجعة: نظام عاجز عن اخضاع شعب، يقتله انتقاما. فالبلد المسمّى على اسم اسرة لم يعد ملكها. والذين فرضوا على اهله دكتاتورية «الابد» بالحديد والنار والتخويف، لن يغادروه الا بتدميره فوق رؤوس سكانه. وقد قال قائلهم: انتزعنا السلطة بالقوة ولن نسلّمها الا بالقوة.

ولا جديد في سوريا، غير القتل.

ولا جديد في الكتابة عن سوريا غير حقيقة ان كل هذا الحبر المراق لا يساوي قطرة دم سورية واحدة.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى