صفحات الثقافة

أيها البيت.. كم أنت بعيد/ إيمان إبراهيم

 

 

 

لم تفكر بالتقاط صور أخيرة للمكان، أو لك، لم تتذكر أن تأخذ ألبوم ذكرياتك…

 

ما حاجتك الآن لاقتناء تذكارات وصور في أمكنة لا تشبهك.

إن عدتَ فلن تجد ما تركته، وإن وجدته سيكون لمكان…. ما عاد يشبهك أبداً

 

*

 

قبل أن يباغتهم هدير طائرة ترمي الموت المحتم على بيوت ساكنيها، منهم من كان يأكل، ومنهم من كان يستحم، ومن كانت تصلي، وأثناء مناجاتها ربها، هطلت براميل الطيار القاتل عليهم…،

 

بإزالة الأنقاض، اتضحت تجويفات هائلة بالحجارة وكانت مليئة باللحم…

 

*

 

أدرك الغراب كيف يواري جثة رفيقه، لكنه ابتكر سحل وإسقاط الأقنعة

تراه حيث الموت والخراب، لا كشريك وإنما كشاهد على القبح

 

*

 

هذه النظرات تشير إلى القاتل، لكنها تقض نومنا نحن

 

*

 

تحت اللحاف، جثة ساخنة، يحفظها دمع المحبَطين

تحت الأرض، الجثة التي لا يبكيها أحد

يأكلها الدود

 

*

 

“حصان طروادة”… و”خارطة طريق”.. مشهد ضبابي

ثم لاشيء سوى الوجوه التي رحلت

وهي تظن بالأمل ظناً حسناً

 

*

 

كلماتي المعلقة كحدائق بابل… تصبح بمرور الوقت قاحلة وخشنة وجافة، وكل ما يبقى منها مسحوق لا يصلح للشم ولا اللعق…

يصلح فقط للتعبئة في زجاجة تحسب الزمن من الأسفل للأعلى…

 

*

 

ملاقط الغسيل التي تلجم الثياب على الحبل كيلا يطيّرها مزاج الهواء

ربما لم تعد ترغب بأجسادنا…

ملاقط جهاز تخطيط القلب المثبّتة بعناية على جسد المريض، يقذف الجهاز الصغير ورقة طويلة برسوم وخطوط معقدة

ربما تعِبت هي أيضا من كل هذه الخفقات الخافتة والصاخبة أيضاً…

ملقط الفحم الذي يُسقِط في المبخرة قطع الجمر الحمراء، يكاد أن يصرخ ويتوجع ولهذا يسوَدّ بصمت

الكلمات التي تقاطعني هي ملاقط كريهة تجعلني أزم فمي احتجاجاً، وألوذ وحيدة بشفتين منتفختين، وأبتلع كلماتي المتبقية للتفكير مجددا بجدوى كل هذه الملاقط البشعة…

 

*

 

الوقوف على الرأس لدقائق من شأنه أن يقلب الأشياء

 

لكن العيون الناظرة تصبح أشبه بعدّاد اللوتو الذي يقف عند رقم لا يربح أبداً

 

*

 

في السجن، تقرأ عن السجن، رواية كتبها أحد السجناء، تتركها لسجين قادم، وتعاود كتابة روايتك من سجن وعن سجن آخر…

 

*

 

المراثي الثلاثة المتبقية ستكون

لمجهول هوية بقبر دون شاهدة

وفقيد بلا عودة،

وعين لم تعد صالحة لإدراك الألوان

 

*

 

سيكون لي بيت صغير وسأملأه بالقصاصات الملونة وشراشف الحرير، وسأعير الزوايا اهتماما خاصا بتثبيت باقات الورد المجفف، وسأتلو تعويذاتي الهندية في كل ركن فيه

… أيها القاتل، لا تلمس الجدران، هناك أرواح تتناسل منها

ومن يقين زوال يدك الآثمة

 

*

 

الصمت قاتل والكلام قاتل والغضب قاتل وكل شي قاتل

آه… حتى الرصاص.. قاتل

 

‏*

 

البيضة التي كسرتها بقدمي الصغيرة… كان يمكنها أن تفقس وحدها وتواصل منح الآخرين بيضاً وبيضاً وبيضاً… ليواصلوا كسر البيض بقلوب سلقها الجبن

 

دون الاقتراب من بيضة الديناصور الكبيرة والتي ستأكلهم جميعاً

 

 

* شاعرة سورية مقيمة في مصر

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى