إشكالية المعارضة المعتدلة في سوريا/ حسين عبد العزيز
في غموض المفهوم
بين تركيا وأميركا
أحرار الشام وأخواتها
ارتباك أميركي
لم تنل المعارضة المعتدلة في سوريا طوال العامين الماضيين أي اهتمام يذكر من الفاعلين الإقليميين والدوليين، وبدا المصطلح مجردا من أي معنى في ظل انقسام ساحة الصراع السورية بين (النظام، وداعش، والنصرة، وفصائل سلفية جهادية).
لكن في الفترة الأخيرة بدا الاهتمام الإقليمي والدولي يتزايد بشأن المعارضة التي توصف بالمعتدلة، لا سيما بعيد الاتفاق التركي الأميركي، وما أعقبه من حديث عن ضرورة إيجاد قوى معتدلة توكل إليها مهمة السيطرة على المنطقة الآمنة شمالي سوريا، ثم إعلان واشنطن عزمها حماية مقاتلي المعارضة الذين تدربوا على يد الجيش الأميركي.
في غموض المفهوم
ما يزال مفهوم المعارضة المعتدلة حتى الآن غامضا في التعريف الأميركي، حيث كان يقتصر قبل عامين على من يعادي النظام السوري، أما اليوم فقد أصبح مشوشا مع اتساع سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وبدت الإدارة الأميركية أكثر خوفا من الفصائل الإسلامية الجهادية، مع تراجع اهتمامها بإسقاط النظام السوري.
وطوال الأعوام الماضية رفضت الإدارة الأميركية تقوية القوى الوطنية السورية المعارضة التي كانت آنذاك بعيدة عن التطرف، بل حتى لم تذهب نحو الحيلولة دون انهيارها كما حدث مع “جبهة ثوار سوريا” وحركة “حزم”.
وحتى “الفرقة 30” التي تلقت تدريبا على يد الجيش الأميركي لم تتلق الحماية الأميركية المطلوبة، وتُركت في منطقة تتصارع عليها فصائل كبرى، وكأن واشنطن لا تحبذ تكوين نواة للمعارضة المعتدلة خشية انحراف بوصلتها من محاربة “داعش” إلى محاربة النظام، وهو الخلاف الذي نشأ بين البنتاغون والمخابرات الأميركية.
وما إعلان الولايات المتحدة الدفاع عن “الفرقة 30” إلا ذر للرماد في العيون، حيث لن تستطيع هذه الفرقة البالغ عددها نحو ستين مقاتلا أن تحدث أي فرق، فضلا عن عمليات التدريب الرديئة التي تلقتها، بسبب خضوعها لعمليات تدقيق صارمة تستبعد المقاتلين الذين هدفهم الأساسي إسقاط الأسد، بحسب ما أعلن ديريك تشوليت المساعد السابق لوزير الدفاع الأميركي.
تسعى واشنطن للبحث عن معارضة معتدلة تشابه في أهدافها وقوتها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD)، يكون هدفها في هذه المرحلة محاربة “داعش” وربما فصائل إسلامية أخرى، وهذه نقطة الخلاف الرئيسية مع تركيا.
بين تركيا وأميركا
منبع الاختلاف بين الدولتين بشأن ماهية المعارضة المعتدلة يعود إلى تباين أولوياتهما في سوريا: هدف تركيا إسقاط النظام السوري والحيلولة دون تشكل كيان كردي على حدودها الجنوبية، وبالتالي ليس مهما عند أنقرة هوية المعارضة ما دامت تسعى إلى تحقيق هذين الهدفين.
ولذلك تحاول الحكومة التركية حشد أكبر قدر ممكن من القوى المعارضة غير المتطرفة للتواجد داخل المنطقة الآمنة (أحرار الشام، والجيش الحر، وفصائل إسلامية، وفصائل تركمانية، وحتى جبهة النصرة)، وهذه كلها على عداء مع داعش والنظام.
وإذا كانت تركيا تهتم في المقام الأول بالواقع الميداني، فإن الولايات المتحدة تعطي البعد الأيديولوجي أولوية قصوى، فالإدارة الأميركية التي لا تفكر في إسقاط النظام الآن، تبحث عن قوى لمرحلة ما بعد النظام، وعليه تعطي واشنطن أهمية قصوى للقوى التي ستتعامل معها في تلك المرحلة.
ولهذا السبب رفضت إدارة أوباما اعتبار “جبهة النصرة” من مكونات المعارضة المعتدلة، وجاء هجوم النصرة على عناصر من “الفرقة 30” أولا والرد العسكري الأميركي ثانيا، ثم انسحابها من الشمال السوري خشية تعرضها لقصف أميركي ثالثا، ليؤكد أن الجبهة ليست ضمن القاموس السياسي الأميركي للمعارضة المعتدلة على الأقل في المدى المنظور، حيث أكد أكثر من مسؤول أميركي أن واشنطن لن تتعامل مع “جبهة النصرة”، رغم بعض المحاولات الإقليمية الفاشلة لتدجينها وإبعادها عن القاعدة.
في المقابل، لمّحت واشنطن إلى إمكانية قبول غيرها ممن يعدون أقل تشددا، في إشارة إلى “أحرار الشام” وربما “فيلق الشام”، وكان تصريح السفير الأميركي السابق في سوريا روبرت فورد لافتا حين قال إن إدارة أوباما يمكن أن تتعايش مع الجماعات الإسلامية الأقل تشددا.
أحرار الشام وأخواتها
أمام هذا الوضع المتخبط نحو تحديد المعارضة المعتدلة، وفي ظل الضعف الذي تعاني منه القوة المدربة لدى الولايات المتحدة، تبدو تركيا هي الأكثر قدرة على تحديد من المعارضة المعتدلة التي ستناط بها مهام السيطرة على المنطقة العازلة المقرر إقامتها شمالي سوريا، دون إغفال الموافقة الأميركية.
وتبدو حركة “أحرار الشام الإسلامية” المدعومة من أنقرة وبعددها الذي يصل إلى نحو 25 ألف مقاتل، الأكثر ترجيحا للقيام بهذا الدور، وقد ظهرت عدة مؤشرات تدعم ذلك:
ـ دعوة السفير الأميركي السابق في سوريا روبرت فورد الإدارة الأميركية إلى فتح قنوات اتصال مع حركة “أحرار الشام”، ومن ثم تمييزه بين الحركة و”جبهة النصرة”.
ـ منح منبرين إعلاميين عالميين أمام الحركة للتعبير عن رأيها وموقفها من الرؤية الأميركية تجاه المعارضة المعتدلة (مقالان للبيب نحاس مدير مكتب العلاقات الخارجية بالحركة في صحيفتي “واشنطن بوست” الأميركية و”ديلي تلغراف” البريطانية).
-تغييرات وتحولات داخلية في الحركة من قبيل عزل أبو البراء معر شمارين قائد القوة العسكرية المركزية في الحركة من منصبه، وهو المحسوب على الجناح المتشدد، وتبديل شعار الحركة ليكون “ثورة شعب”.
ـ انضمام فصيل “صقور الشام” المحسوب على الإخوان المسلمين إلى “أحرار الشام”.
ـ تركيز وسائل الإعلام التركية وتصريحات المسؤولين الأتراك المؤيدة للتغيرات الداخلية التي شهدتها حركة “أحرار الشام”.
ـ إعلان الحركة تأييدها التدخل التركي في سوريا ورفضها قيام كيان كردي، وفق ما أكد قائد الحركة هاشم الشيخ لجريدة بوسطة التركية.
ـ أخيرا، نجاح الحركة في إدارة مدن وبلدات خرجت عن سيطرة النظام (الرقة) قبل “داعش”، فضلا عن دورها الإغاثي المميز.
وعلى الرغم من كل هذه المعطيات التي تصب في صالح “أحرار الشام” والدعم الذي تلاقيه من أنقرة وعواصم عربية، فإن الولايات المتحدة لم تعلن بعد موقفا صريحا من الحركة، وربما يتطلب الأمر تطورات ميدانية معينة أو مباحثات أكثر عمقا.
ولهذا السبب، ولأسباب تركية أخرى لا تخلو من وجاهة، تبدو أنقرة بحاجة إلى أكثر من “أحرار الشام” كنواة للمعارضة المعتدلة حتى لا تكون إستراتيجيتها مرتبطة بفصيل معين مهما كان وزنه، ومن هنا تتجه الحكومة التركية نحو تعزيز الجيش الحر وقوى إسلامية مرتبطة بالإخوان المسلمين (لواء الحق، ولواء درع الصديق، ولواء درع الإخلاص، وكتيبة دعم الفاروق، وكتيبة المصطفى، وغيرها من الألوية والكتائب)، والفصائل التركمانية التي حافظت على مسافة بعيدة من الفصائل الجهادية.
أدى الهجوم الذي شنته “النصرة” على عناصر من “الفرقة 30″ إلى ارتباك في التعاطي الأميركي تجاه مفهوم المعارضة المعتدلة، وبدأت تطرح أسئلة جدية في أروقة صنع القرار الأميركي حول صحة ربط المعارضة المعتدلة بالفصائل العلمانية أو تلك التي لم ترتبط ببعد إسلامي جهادي
” وليس صدفة أن تعلن الفصائل التركمانية (كتيبة السلاجقة، وكتيبة السلطان محمد الفاتح، وكتيبة السلطان مراد، وكتيبة أحفاد الفاتحين) عزمها تشكيل جيش تركماني موحد مع توجه أنقرة نحو إقامة المنطقة الآمنة أو المنطقة الخالية من المخاطر.
ارتباك أميركي
الارتباك الأميركي تجاه مفهوم المعارضة يبدو أنه سيظل مستمرا إلى حين، مع اضطراب السياسة الأميركية بشكل عام بشأن سوريا منذ بدء الأزمة، وموقفها المتذبذب من إسقاط النظام.
وتحاول واشنطن البحث عن معارضة معتدلة خارج المعادلات الإقليمية (تركيا، والسعودية، وقطر) وخارج معادلات النظام وشركائه الذين يعتبرون “أحرار الشام” و”الجيش الحر” و”جيش الإسلام” وغيرها حركات إرهابية.
لكن التطورات المتسارعة في الميدان السوري خلال العام الجاري تجعل السيطرة الأميركية المباشرة على مجريات الأمور أضعف مما كان في السنوات الماضية، وتبدو تركيا الأكثر قدرة على تحديد مفهوم المعارضة المعتدلة. وكان مسؤول أميركي قد ألمح نهاية الشهر الماضي إلى أن الحكومة التركية لديها الفصل في تحديد من هي المعارضة المعتدلة.
كما أن الولايات المتحدة التي تجد نفسها بين مطرقة “داعش” و”النصرة” القويتين وسندان “الجيش الحر” الضعيف، مضطرة إلى قبول الإملاءات التركية دون أن تمنح الأخيرة حرية التصرف بشكل كامل.
ثمة نقطة مهمة، وهي أن مفهوم المعارضة المعتدلة مرتبط بالواقع العسكري السوري المعقد، والتغيرات التي تطرأ عليه، وقد أدى الهجوم الذي شنته “جبهة النصرة” على عناصر من “الفرقة 30” إلى ارتباك في التعاطي الأميركي تجاه مفهوم المعارضة المعتدلة، وبدأت تطرح أسئلة جدية في أروقة صنع القرار الأميركي حول صحة ربط المعارضة المعتدلة بالفصائل العلمانية أو تلك التي لم ترتبط ببعد إسلامي جهادي.
الجزيرة نت