إعجاز أنان
ساطع نور الدين
التاريخ درس لا ينسى، لا سيما عندما لا يقتضي سوى العودة ثماني سنوات فقط الى الوراء، لتحديد المسار الذي يمكن ان تسلكه الأزمة السورية، والمآل الذي يمكن ان تبلغه الوساطة الدولية المنوطة بالمبعوث كوفي أنان الذي لا بد ان ذاكرته لا تزال حية، وتجربته مع سوريا بالتحديد لا تزال مستمرة. ليس كوفي أنان دبلوماسياً باهراً. فقد سجلت سيرته الكثير من الخيبات والعثرات، لا سيما عندما كان شاهداً على مجازر رواندا ويوغوسلافيا السابقة، في تسعينيات القرن الماضي، مثلما سجلت الكثير من الانجازات والاختراقات لا سيما عندما كان مناهضاً لمنح الغزو الاميركي والبريطاني للعراق تفويض الامم المتحدة.. لكن يبدو انه اختير من قبل الجامعة العربية ومجلس الامن الدولي لمهمته الحالية بالنظر الى خبرته السابقة مع سوريا عندما كان أميناً عاماً للمنظمة الدولية وتولى رعاية القرار ١٥٥٩ الذي صدر في العام ٢٠٠٤ وأخرج الجيش السوري من لبنان في العام ٢٠٠٥. لكن هذه الخبرة لم تساعد أنان حتى الآن في ان يدرك ان لا مجال للمقارنة أبدا بين الخروج السوري من لبنان وبين الخروج السوري من الأزمة الراهنة وفق خطة البنود الستة التي لا يمكن لاحد ان يخطئ مغزاها النهائي، والتي تخطت كلفتها الدموية المروعة في سوريا، ما دفعه اللبنانيون من اثمان باهظة منذ صدور القرار ١٥٥٩ وحتى اليوم. مساء الثلاثاء الماضي غادر انان دمشق يائساً. راودته للمرة الاولى فكرة التخلي عن وساطته السورية المستحيلة. أدرك انه ربما لن يعود الى العاصمة السورية مرة اخرى. لكنه يعرف ان اعلان الفشل ليس من شأنه ولا من مسؤوليته. ثمة حاجة عربية ودولية الى انتهاز الفرصة حتى نهاية المهلة المحددة لها في منتصف تموز المقبل. وبعدها يمكن الانسحاب امام البدائل، التي تلوح بوادرها اليوم. لم يكن أنان في وضع مريح عندما سمع من الرئيس بشار الاسد كلاماً مباشراً عن الاستمرار في نهجه الامني من اجل حماية المواطنين السوريين وفق ما يمليه عليه الواجب، ولم يكن في وضع مطمئن عندما سمع تهديداً صريحاً من زعماء ثماني عشائر سورية موالية بتولي حفظ الأمن والنظام بأنفسهم، ولم يكن في وضع جذاب عندما تلقى من رموز معارضة الداخل تحذيراً من سلوك معارضي الخارج الذين يطالبون بالتدخل الدولي.. من دون أن يلاحظ محدثوه انه مبعوث دولي! خرج أنان من زيارته الاخيرة لدمشق انه امام حالة سريالية لا مثيل لها. النظام لا يعرف ما يدور حوله ويعتقد انها مجرد أزمة أمنية عابرة يمكن احتواؤها بالقوة المفرطة. اما عشائره وجمهوره فهي لا تقل عنه جهلاً بمخاطر الأزمة التي لا يزال العالم يتردد في وصفها علناً بأنها حرب أهلية، مع ان هذا التوصيف ينطبق عليها حتى قبل حصول مجزرة الحولة. اما معارضة الداخل فهي لا تعي انها تتقاسم مع معارضة الخارج المسؤولية عن وقف تلك الحرب، وتعيش في عالم خيالي لا صلة له بالواقع المخيف الذي يفرزه الشارع. لن يعتذر أنان قريباً، لكن استمراره في مهمته صار يحتاج الى معجزة *
السفير