صفحات العالم

الصورة الكاملة في سوريا


سميح إيديز

من الصعب رؤية الصورة الكاملة لما يحدث في سوريا بأي درجة من الوضوح في تركيا بسبب سياسة حكومة رجب طيب أردوغان ذات البعد الواحد والداعمة للسنة تجاه النظام السوري، وتحت تأثير خطاب حزب العدالة والتنمية كان الانطباع الذي ترسخ في نفوس الشعب هو وجود نظام وحشي غير متدين على طرف، وعلى الطرف الآخر شعب مسلم مظلوم يقتل على أيدي هذا النظام، ومع تزايد العنف في سوريا، يرى الناس «الواقع السوري» بشكل أفضل، ويعد هذا بمثابة جرس إنذار على المستوى القومي، لأن أكراد سوريا يتجهون على نحو غير متوقع وبطريقة لا تنزع إلى العنف نحو إقامة منطقة حكم ذاتي على طول الحدود مع تركيا. القوميون الأتراك غاضبون حاليا لأن الظروف التي لم تستطع أنقرة التنبؤ بها أو السيطرة عليها ستساعد على ميلاد «كردستان الكبرى»، ويهاجمون الحكومة، خاصة وزير الخارجية صاحب الطموحات الكبيرة داود أوغلو بتوجيه، نقد لاذع بسبب ذلك.

على الجانب الآخر، كان ينبغي على رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان أن يسلط الضوء خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو على الأهمية التي توليها تركيا لوحدة الأراضي السورية، ولا عجب إذن أن نسمع أنقرة تردد هذا من الآن فصاعدا.

بطبيعة الحال تزعم مصادر في حزب العمال الكردستاني أن تركيا أكدت قبل ذلك كثيرا على هذا الأمر، لكنها لم تقدمها كقضية رئيسية في خطاب الحكومة، الذي لم يركز سوى على فكرة واحدة تقريبا هي ضرورة رحيل النظام السوري، كذلك تم تجاهل قلق العلويين والمسيحيين في سوريا، والذين يرون أن النظام يوفر لهم الحماية من السنة الذين يمثلون الأكثرية.

كذلك تم إغفال الأكراد، الذين اقتنصوا فرصة تاريخية تمثلت في الغزو الأميركي للعراق، وأمامهم حاليا فرصة تاريخية أخرى في سوريا. مع ذلك تتغير هذه الأمور حاليا، وكما يحدث، ينبغي توضيح بعض الاحتمالات البغيضة بالنسبة لتركيا والتي تتعلق بـ«الصورة الكاملة» في سوريا.

ينبغي أولا ملاحظة أن سوريا صورة معكوسة للعراق، حيث قهر النظام السني الذي يمثل الأقلية، بقيادة صدام حسين، الشيعة، الذين يمثلون الأكثرية، أما في سوريا، فكانت الأقلية العلوية هي التي تحكم البلاد، وتظلم السنة الذين يمثلون الأكثرية حتى وإن كان يعمل بالحكومة والجيش أفراد من السنة العلمانيين، والأكراد عالقون في الوسط، حيث تعرضوا للظلم في الدولتين.

بكلمات بسيطة يمكن القول: إن الانقسامات الطائفية والدينية والعرقية في العراق تنذر بما يمكن أن يحدث في سوريا، وتعد التفجيرات المميتة التي حدثت في أنحاء متفرقة من العراق خلال الأسبوع الحالي من أوضح الأمثلة على ذلك، وتتزايد الأدلة التي تشير إلى أن هذه التفجيرات ليست منفصلة عما يحدث في سوريا من تطورات، كما يخبرنا الواقع، يقول تنظيم القاعدة إنه يريد جمهورية إسلامية تضم الدولتين.

من السيناريوهات المحتملة الأخرى في سوريا، تزايد وتيرة العنف والتوتر بين العرب والأكراد، كما يحدث في العراق، وهو ما من شأنه أن يضيف بعدا جديدا إلى الألم في رأس تركيا، وهناك احتمال مختلف هو أن يتوحد العلويون والمسيحيون، الذين يمثلون ربع عدد السكان، ضد «العدو المشترك» ويحاولون تحديد منطقتهم الآمنة على طول الساحل. ومن الواضح أن هذا سيسرع وتيرة انقسام البلد، وهو ما تخشاه تركيا حاليا.

على الجانب الآخر، صرح رئيس الوزراء رجب طيب لقناة خاصة يوم الأربعاء بأنهم لن يشاهدوا ما يحدث في الجزء الشمالي من سوريا، الذي يسيطر عليه الأكراد، دون أن يحركوا ساكنا. وأضاف أن تركيا لها الحق في التدخل هناك، مع ذلك أي عملية عسكرية تشنها تركيا ضد العناصر الموالية لحزب العمال الكردستاني في شمال سوريا ستجرف البلاد إلى مغامرة جديدة غير مرحب بها، لن تفسد فقط التقارب المستمر مع إقليم كردستان العراق في الشمال، بل أيضا سوف تؤدي إلى تفاقم المشكلة الكردية في تركيا.

ومع تزايد وضوح «الصورة الكاملة» في سوريا بالنسبة للأتراك، بات من الواضح لهم أن كل الخيارات المطروحة في البلد ليست لصالح تركيا.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى