صفحات الناس

إقتصاد الساحل السوري: إستقرار الإستثناء/ جهاد اليازجي

 

 

أعلنت* وزارة الإدارة المحلية هذا الأسبوع عن تأسيس منطقتين صناعيتين بالقرب من مدينة اللاذقية، من المفترض أن تستضيفا استثمارات جديدة في قطاع الصناعة التحويلية.

حقيقة الأمر، وبرغم الصراع الدائر في البلاد، إلا أن المنطقة الساحلية السورية استفادت في الأشهر القليلة المنصرمة من تزايد في حجم الإستثمارات. ففي العام 2013، على سبيل المثال، شهدت مدينة طرطوس تسجيل 501 شركة جديدة مقابل 326 شركة في العام 2012، أي بزيادة بلغت 54 في المئة. وبرغم أن معظم الاستثمارات الجديدة تكون في قطاع التجارة، إلا أن عدد المصانع المفتتحة حديثاً بالقرب من مدينتي اللاذقية وطرطوس في ازدياد مستمر.

يعتمد اقتصاد المنطقة الساحلية تقليدياً على عدد من القطاعات وهي الرياضة والسياحة خلال فصل الصيف وزراعة الحمضيات والتبغ والصناعات الخفيفة، بالإضافة إلى صناعة تكرير النفط في بانياس.

لكن مع اتساع رقعة الحرب لتشمل مناطق أوسع من البلاد، اجتذبت المنطقة الساحلية عدداً من المهجرين، خصوصاً من مدينة حلب. ففي صيف العام 2012 وبعد وصول الموجتين الأولى والثانية، وهما الموجتان الأهم من النازحين إلى المنطقة، توقع معظم الناس أن الحرب ستضع أوزارها قريباً لذلك لم يظهر إلا عدد قليل من المستثمرين. لكن مع استمرار الحرب، قرر رجال الأعمال استثمار مدخراتهم، فيما بدأت العائلات شراء بيوت خاصة والانتقال إليها من البيوت المستأجرة.

في الوقت الحالي، تجني المنطقة الساحلية مجموعة من الفوائد نتيجة الأوضاع العامة السائدة في البلاد. فحالة الأمان التي تعيشها

توفر شيئاً من الإستقرار للمستثمرين، كما أن فيها عدداً كبيراً من المستهلكين سواء أكانوا سكانها الأصليين أو النازحين الذين وفدوا إليها بأعداد كبيرة. أما المصانع هناك فلا تجد لها الكثير من المنافسين لأن الإنتاج قد توقف في معظم أنحاء البلاد، بالإضافة إلى أن الصادرات يمكنها الاستفادة من انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار، ما يرفع تنافسية المنتجات السورية في أسواق التصدير.

استفادت المنطقة الساحلية أيضاً من الاهتمام الخاص الذي توليه لها الحكومة في الفترة الماضية. ففي السنوات الثلاث الأخيرة تم الإعلان عن إطلاق عدد من المشاريع الجديدة التي تتضمن افتتاح كليات جديدة في مدينة طرطوس، ومشروع سكن شبابي بالقرب من اللاذقية ومعمل لمعالجة النفايات الصلبة في طرطوس. كما موّلت الحكومة مؤخراً بتمويل منتدى سوف يقام في المنطقة الساحلية على الأغلب ويهدف إلى اجتذاب المشاريع السياحية.

لذلك يمكن القول إن المنطقة الساحلية هي المنطقة الوحيدة في سوريا التي بدأت بعد ثلاث سنوات من انطلاق الاحتجاجات تشهد تباشير شكل من أشكال الاستقرار الاقتصادي.

هذا الأمر سيقود إلى بعض التكهنات بأن المنطقة الساحلية سوف تشهد ازدهاراً اقتصادياً قد يكون مقدمة لمشروع يجري الإعداد له حالياً يفضي إلى انفصال هذه المنطقة عن باقي الأراضي السورية.

لكن ثمة العديد من المعوقات التي تقف في طريق قيام ازدهار حقيقي منها مثلاً معاناة السكان من انخفاض قوتهم الشرائية بسبب سياسة الإفقار العامة المطبقة على البلد في السنوات الثلاث الأخيرة، أو مشكلة انقطاع التيار الكهربائي وغيرها من الأمور التي لم تستقر بعد وعدم استقرار توريد مدخلات التصنيع. وليس خافياً في المرحلة الحالية أن خطر إمتداد رقعة الحرب إلى المنطقة ما زال احتمالاً قائماً ما يشكل حجر عثرة أمام قيام استثمارات أكبر هناك.

أما في ما يتعلق بخطر ما قد يؤدي إليه هذا الازدهار من فصل هذه المنطقة عن بقية الأراضي السورية، فتجدر الإشارة إلى أن الدولة المركزية السورية لا تزال حتى الآن الجهة التي تضم العدد الأكبر من الموظفين في المنطقة، فالعديد من المواطنين يعملون إمّا في دوائرها المدنية أو في أجهزة مخابراتها، لذلك لا مصلحة للمنطقة الساحلية بالذات، وأكثر من بقية المناطق، أن تنفصل عن الأجزاء الأخرى من البلاد.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى