إلى التقسيم سر/ امين قمورية
قبل ثلاث سنوات لم يكن أحد يصدّق ان سوريا في طريقها الى التقسيم. الجميع كانوا مقتنعين بأن الانتفاضة ستقود البلاد في وقت قصير الى تغييرات جوهرية. بعد ثلاث سنوات يغلب التشاؤم على التفاؤل. التقدم في كسب وريف اللاذقية لن يحسم المعركة، والسيطرة على القلمون وريفي دمشق وحمص لن توصل الى نصر عسكري حاسم. العلامات الايجابية القليلة التي بعثت في “جنيف 2” تبخرت بفعل النار الحامية للقتال، و”جنيف 3″ لا أمل في انعقاده في ظل تصدّع التوافق الدولي في القرم. وما دام أوباما في البيت الأبيض ستظل اللامبالاة الأميركية الطاغية في سوريا. وما دام بوتين في الكرملين سيبقى التشدد الروسي سيد الموقف. التوافق الدولي المطلوب للحل مفقود ومثله التوافق الاقليمي بين إيران والسعودية. طهران تغني على “سورياها” والرياض تغني مثلها على المقلب الآخر. أما الأزمة السورية فتتحوّل رويداً رويداً حرباً منسية بالنسبة الى العالم الخارجي.
خطر التقسيم صار واقعاً. ثمة مناطق شاسعة خرجت عن سيطرة النظام، لكنها لم تسقط في يد معارضة منظمة. بعضها يخضع لحكم عصابات وبعضها الآخر لسيطرة جهاديين أو لسيطرة كردية. وفي المقلب الآخر ثمة مناطق خاضعة لمجموعات عسكرية موالية للنظام، ومناطق تحت سيطرة “حزب الله”، وأخرى خاضعة لسيطرة النظام ذاته. الفتنة الطائفية التي غذّتها تيارات دينية متطرفة وتلقفها النظام وغذّاها دفعت الاقليات الى الاحتماء خلفه والارتماء في حضنه بذريعة الخوف من انتقام الأكثرية. أما المعارضة، فخسرت الأقليات ولم تنجح في كسب الأكثرية. عمليات الإبادة والترحيل الجماعي على أساس طائفي جارية على قدم وساق وحدود الدويلات الطائفية ترسم ساعة بساعة.
روسيا تريد تثبيت رأس جسر لها في المنطقة، وتريد الحفاظ على قاعدتها البحرية في طرطوس، وهي ستعمل المستحيل للحفاظ على مصالحها، وإذا لم يكن في وسعها الحفاظ على سوريا موحدة تحت عباءتها فلا مانع لديها من توفير الحماية لدولة أقليات تلوذ بها. وأميركا لا يضيرها الاقتتال الطائفي في سوريا والمنطقة ما دامت مصالحها مضمونة، وكذلك أمن إسرائيل. ماذا خسرت عندما تشظى الاتحاد السوفياتي 15 دولة ويوغوسلافيا سبع دول وأندونيسيا والسودان دولتين؟ لا شيء! لا بل بالعكس أضعفت دولاً تغرّد خارج سربها وكسبت دولاً صغيرة تستجير بها خوفاً من جيرانها. فماذا ستخسر إذا التحقت سوريا والعراق والجزائر بركب الدول المنقسمة على نفسها؟
في هذه الحال، تستطيع روسيا الحفاظ على قاعدتها البحرية ومصالحها وتستطيع أميركا الحفاظ على أمن إسرائيل والتأسيس ليهوديتها، فهل ينتهي الصراع الدولي على طريقة لا غالب ولا مغلوب فيما يدفع الثمن الشعب السوري؟
النهار