صفحات العالم

تفكك سوريا: محاذير وترتيب جديد/ يعقوب عميدرور

 

 

تظهر لنا نظرة أكثر عمقا لما يدور في سوريا، كم هي الانعكاسات المتوقعة على المنطقة بشكل عام وعلى إسرائيل بشكل خاص بسبب ما يدور هناك، حيث ان الحدث الأول هو انتشار القوات الروسية في سوريا. وهذا يحدث للمرة الأولى منذ سنوات السبعينيات من القرن الماضي وبتنسيق مسبق مع إيران.

ليس عبثا أن يتم اتخاذ قرار بهذا الشأن في أعقاب توقيع الاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، حتى ولو لم يتم الاعلان عن ذلك.

هناك العديد من التساؤلات التي تطرح نفسها في اعقاب الوضع الجديد. اولا، ما تأثير تحالف كهذا على تعزيز قوة إيران في المنطقة وعلى قدرة إسرائيل على وقف تعزيز قوة إيران وحزب الله تحت المظلة الروسية؟ إلى اي حد سوف تستغل إيران التحالف العملي الجديد وتدفع بإسرائيل امامها؟.

والى متى سوف تتحمل إسرائيل تصرفات إيران وحزب الله، امام الوضع المعقد، وعلى ضوء التواجد الروسي في محيطها؟ وهل سترد إسرائيل بقوة، وماذا ستفعل روسيا؟ وهل حقا ستظل لا مبالية إزاء عمل إسرائيلي عنيف في منطقة تتواجد هي فيها، وهل تتحمل جزء من المسؤولية عما يدور هناك؟ كل ذلك سيتم فحصه على ارض الواقع بصورة عملية.

من شأن العملية الروسية ان تؤدي إلى تغيير في نسبة القوات في المنطقة. الروس يقصفون المتمردين السنة، من جميع الانواع، بدون اي علاقة لمدى انتسابهم لتنظيم داعش، والولايات المتحدة مستمرة في هجماتها خاصة في العراق. والمغزى هو ان السنة، في سوريا والعراق، من شأنهم ان يشعروا بالضغط الممارس عليهم بين تحالف الروس مع العلويين وتحالف الأمريكيين مع إيران (في المجال النووي)، وفعليا تعزيز داعش. إذا كانت هذه هي النتائج، فإن الوضع في المنطقة سوف يتدهور حتى ولو كانت هناك نجاحات تكتيكية لروسيا او للولايات المتحدة باستخدام القوة الجوية.

الحدث الثاني هو زيادة القوات الإيرانية وقوات حزب الله في سوريا، تحت المظلة الروسية. ولنتيجة إجراء كهذا وجهان: الوجة الاول مرتبط بحرية عمل حزب الله ونوعية قتاله مستقبلا.

فمن جهة، فإن التنظيم منشغل اليوم جدا في القتال الصعب الدائر في سوريا، وليس له القدرة على فتح جبهة اضافية مع إسرائيل، وهو مقيد بحدود ردوده ايضا عندما يتم القيام بعمل عنيف ضد رجاله او ضد منظومة التسليح التابعة له في سوريا.

وعلاوة على ذلك، فإن التنظيم تلقى خسائر فادحة جدا في القتال في سوريا ـ مقتل حوالي 2000 مقاتل وعدة آلاف من الجرحى. بالنسبة لتنظيم عدد المقاتلين فيه، في احسن الحالات مع رجال «الاحتياط» لا يصل إلى 50 الف رجل ـ فإن لهذا العدد تأثيرا كبيرا.

ومن الناحية الاخرى، ان القتال المكثف في سوريا يكسب حزب الله ما ينقصه من تجربة، فهناك قد تنامى جيل من القادة ممن شهدوا القتال العنيف، كما ان التنظيم اكتسب ما يكفي لكي يصبح ذا قدرة قتالية جيدة جدا.

ان إسرائيل لم تواجه ابدا في ساحة القتال تنظيما مجربا هكذا في القتال مثل حزب الله بعد مشاركته في الحرب السورية. وهذا صحيح بالنسبة للجزء النظامي من حزب الله وكذلك بالنسبة لافراد الاحتياط، الخارجين من العمل في صفوف الخدمة في سوريا والعائدين إلى بيوتهم بعد عدة اشهر من القتال.

ماذا سيكون تأثير هذا التغيير في ساحة القتال البري ضد الجيش الإسرائيلي عندما يحين الوقت؟ من السليم ان نقدر ان حزب الله سوف يطبق تجاربه ولن يكون ذلك التنظيم الذي حارب الجيش الإسرائيلي في العام 2006. فحزب الله سوف يكون بعد القتال في سوريا حبة جوز يصعب كسرها.

والوجه الثاني للتغيير في مستوى مشاركة إيران وحزب الله وجد تعبيره في تعزيز معاقل الربط الخطيرة هذه، في سوريا بشكل عام والجولان بشكل خاص. ان الخطر الاكبر هو انه تحت المظلة الروسية، وبدون طلب موافقة روسيا، سوف يبني حزب الله وإيران قادة هجومية ضد إسرائيل، باستنساخ تجربة الجبهة اللبنانية في سوريا.

في هذا خطر حقيقي، بأن يكون الجيش الإسرائيلي ملزما بمضاعفة جهوده ولان يعمل في مواجهة جبهتين، وسوف يكون من الصعب جدا العمل في دولة تم فيها نشر قوات روسية، تقاتل إلى جانب حزب الله والإيرانيين.

الحدث الثالث هو الحادث المستمر الذي لا يتوقف، وهو تفكك سوريا وحركة السكان المدنيين السوريين داخل سوريا وخارجها. فالحديث يدور عن عدة ملايين، على ما يبدو اكثر من مجموع سكان إسرائيل معا. فعدا عن الاعداد الكبيرة من اللاجئين داخل سوريا نفسها، فإن حوالي 4 ملايين لاجئ موجودون في مخيمات بائسة في دول مجاورة، الاردن، تركيا ولبنان.

فاللاجئون يشكلون عبئا على دول صغيرة وفقيرة كلبنان والاردن. فالبنسبة للأخيرة هم كارثة اقتصادية، وفي لبنان من شأنهم ان يغيروا التركيبة الديموغرافية، بزيادة اعداد السنة بصورة درامية. وعلى الرغم من ذلك، وفي سوريا فإن حركة الجموع هذه من شأنها ان تغير ميزان القوى بشكل كامل بين الطوائف.

مع نشوب الحرب كان العلويون يشكلون حوالي 12 بالمئة من مجموع سكان سوريا ـ فماذا سيكون وضعهم بعد ان انتقل ملايين السنة إلى دول مجاورة ولأوروبا؟ ومذا سيحدث إذا تغيرت النسبة بصورة درامية، فبذلك قد يصبح العلويون ربع السكان الذين تبقوا في سوريا؟ ان استمرار هذا الاجراء من شأنه ان يحول سوريا إلى دولة استنزفت من قبل معظم سكانها، والقلة المتبقية تعيش في مكان مختلف تماما. المغزى من وراء ذلك؟ جيل جديد من السوريين يسير إلى زوال من جميع النواحي.

ما تأثير مجتمع لا يوجد به نظام ولا قوانين لعدة سنوات ولا يوجد فيها جهاز قضائي حقيقي؟ إسرائيل ستضطر للعيش في نهاية اجراء طويل، في جوار دولة تعتبر حتى بين دول العالم الثالث دولة متخلفة، مجتمع مفكك، وغير قادر على معالجة ذاته. هذا على ما يبدو هو المستقبل المتوقع لسوريا، في حال اصبح من الممكن وقف الحرب فيها. (وانا اشك في ذلك).

ان استمرار القتال في سوريا المفككة، وتعزيز سيطرة حزب الله وإيران ونشر قوات روسية فعلية في سوريا يستوجب تفكيرا اضافيا تجاه المصلحة الإسرائيلية نتيجة القتال الشرس الدائر في دولة مجاورة. فالقرارات بعدم الانجرار إلى القتال بين السوريين انفسهم كانت سليمة في حينها. وعلى ما يبدو اليوم ايضا، فإن الاصرار على منع نقل السلاح الذي يقلب معادلة حزب الله يجب ان يستمر.

ولكن من الضروري ان نفكر اكثر عمقا بمسألة التسوية بعيدة المدى الاقل ضررا على إسرائيل. وعلى ما يبدو انه قريبا سنرى مباحثات على مستقبل سوريا بمشاركة جميع الدول المشاركة في القتال، بما في ذلك إيران والولايات المتحدة. ومن الضروري جدا ان توضح إسرائيل وبشكل مسبق قدر الامكان موقفها حول الموضوع، حتى ولو لم تشارك في المفاوضات ذاتها، وحتى ولو كانت امكانية التوصل إلى تسوية بين العلويون والسنة، والإيرانيين والسعوديون، والاتراك والأمريكيين ـ هي صفر كبير.

نظرة عليا 2/12/2015

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى