صفحات الثقافة

إلى الدكتور عبد الوهّاب الأفندي: آتني بجملة تؤيد مزاعمك


أدونيس

لا أريد أن أناقش مقالة الدكتور عبد الوهاب الأفندي (القدس العربي، الثلاثاء 12 حزيران 2012 ) لسبب أساسيّ هو أنها مجموعة من التأويلات التي ليست أكثر من استيهامات وتخرّصات تقوم على مثل هذا المنطق التحريفيّ: ‘ فلان يحبّ الليل، إذاً هو مؤيّد للظلام’.

لذلك أقتصر على هذين الطلبين من الدكتور:

أولاً، أرجوه أن يأتيني بجملة واحدة في كل ما كتبته حول أحداث سورية الآن، وقبلها أيضاً، أدعم فيها نظام البعث أو أدعم فيها بشار الأسد شخصيّاً أو أي حاكم آخر. جملة واحدة فقط.

ولست مضطرّاً إزاء كلّ تخرُّص أن أكرر سرد الأسباب التي جعلتني أبتعد عن سوريا منذ أكثر من نصف قرن.

ثانياً، أرجو منه أن يأتيني بجملة واحدة أمتدح فيها الخميني، باسمه الشخصيّ كما يزعم. جملة واحدة فقط.

صحيح أنني حييت ‘ الثورة الإيرانية ‘ في وقتها، الثورة لا الأشخاص، كمثل كثيرين من كتّاب العالم في طليعتهم ميشيل فوكو. ليس فقط لأنها كانت ضدّ حكم أمبراطوري، بل لأنها كانت ـ في بدايتها ـ نموذجاً فريداً في تاريخ الثورات من حيث سلميتها، وقام بها شعب بجميع فئاته. وبالأخصّ لأنّ أول مبادراتها كان إقفال سفارة إسرائيل وافتتاح سفارة فلسطين. طبعاً يبدو أن هذا الموضوع لم يعد يعني عند الدكتور وكثيرين من العرب أيّ شيء.

مع ذلك تغيّر موقفي من ‘ الثورة الإيرانية ‘ عندما تغيّرت هي، وتحوّلت إلى دولة دينية. بل إنّ هذا التحوّل ونتائجه هو ما عزز اعتراضي القديم على شكل الدولة الدينية. وقد كتبت مقالات حول شكل الحكم في إيران، في مطلع الثمانينيات (في مجلة ‘النهار العربي والدولي’) محذّراً ممّا سمّيته ‘الفقيه العسكريّ’. وكتبت بعدها، كذلك في هذا الإطار، عدّة مقالاتٍ في جريدة ‘الحياة’ يمكن أن يطّلع عليها الباحثون عن الحقيقة. ولننظر في المرحلة الحاضرة، من فلسطين إلى السودان مروراً بغيرهما، في ما تسبّبت به السياسة القائمة على الدين.

هذه مناسبة لكي أكرر (بإذن من الدكتور وأمثاله) أنني ضدّ دولة تقوم على الدين، وضد رجال دين يتسيّسون باسم الدين، وأنني مع دولة علمانية تقوم على الفصل الكامل بين ماهو دينيّ وما هو سياسيّ وطنيّ واجتماعيّ. وأنني، ضمن هذه الدولة العلمانيّة، مع حريّة المعتقد الدينيّ الفرديّ، أيّاً كان، ومع حرّيّة اللامعتقَد أيضاً. وأنني في المقام الأول مع تحرر المرأة كلّيّاً مما يحول دون أن تكون سيّدة جسدها وسيدة حياتها، وسيّدة مصيرها.

إذا لم يأت الدكتور بما أطلبه منه فهل تكون لديه شجاعة الاعتراف بالخطأ، وأخلاقيّة الاعتذار؟ وإلاّ فليهنأ بأفكاره وآرائه، كمثل قلّةٍ غيره، يخوّنون كلّ تمايز في الرأي، ويفضلون أن يرتعوا في ‘حدائق’ الشائعات والافتراءات.

شكراً له في أية حال.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى