إلى دمشق
عائشة أرناؤوط
يغويك غار الدم في أوردة زاهية تفقد لونها.
يغويك غار الدم الذي يُحمل إليك
حتى تكادين تفقدين بصماتك
وتنسين أن ذاكراتنا تفهرس حركة أحشاءك السرية.
وعندما تتثاءبين صباحاً تحت السياط المهرولة في شوارعك
تتذكرين سجلات ياسمينك المقتول
ولا تعرفين لماذا ومتى تُملأ أو في أي مكان.
فقط تبكين دون صوت تحت حجابٍ أسود يغلّف رئتيك.
كما زرعناك أفقاً ندينك اليوم
أمام الرياح كلها وعلى أرصفة مُهّدتْ فوق جثثنا.
هكذا تصير ولادتك إجهاضاً
وأكتافك عرشاً زائلاً
لقوّادين يضاجعون صورهم في المرايا.
هكذا
يظل الحبل السُّري عالقاً بحديد الأغلال
بين أشباح دون رأس تحرس قلبك الدامي
وتنظّم حياتنا وموتنا
وترسم شكل خطواتنا نحو الحريق.
يوم عرسك القاتم
رأيناك تخرجين ثياب الحداد.
ألم تعرفي حين أُطْعِمْتِ فطيرة الدم العربي
في وليمة يحرسها محيط وخليج
ألم تعرفي أن ثوب الحداد في جهازك؟
تخرجين ثياب الحداد
أخرجي السكين أيضاً من قاع صندوقك
واستأصلي سرطانك وتطهري من طعم البارود.
أخرجي السكين
وتطهري من مسابح الأسيد المعدة لأطفالنا.
في الصمت المحروس بالبنادق
يغلقون فمك بالسلاسل
وتحت شجرة قلبك
يتنشق وَثنك ـ المبجل
الغاز المشبوه لمناجمك الدموية.
وتراقبينه بهدوء
يُشَرِّح التاريخ بمبضع مسموم
ويضع متفجرات بين الخلايا.
وخلف عضو تناسلي من المعدن
يخطب في يرقات تملأ القاعات وتعرف كيف تصفق بقرونها.
الوثن المنزهة عنه الصفات
يحضّر في مختبر سِرّيّ
حيوانات منوية ميتة يحقن بها رحمك
ويصرّح مصدرٌ مسؤول
أنك أنتِ العاقر.
الآن.. هاهوذا الأفق يلتحم بجياد تطير دون مهماز
الأفق يلتحم
ارتديه يا دمشق
ودون خوف.. ادخلي ألم المخاض.
عائشة أرناؤوط
دمشق ـ 29/8/1976
كتبتًها في دمشق ـ بتاريخ 29 آب/ أغسطس عام 1976
ومازالت صالحة إلى حد ما / دون أيّ تعديل فيها
تمّت قراءتها حينذاك في إذاعة سرية مع قصائد أخرى مختلفة نشرت فيما بعد بعنوان “الحريق”،
دار الكلمة / بيروت / عام 1981