صفحات المستقبل

إنتصار الثوره السوريه بالوسائل السلميه


رحاب أحمد حسون

لقد كانت الثورة في سورية وعلى الرغم من اندلاع الاحتجاجات بأكثر من بلد عربي ضربٌ من ضروب الخيال وذلك لمعرفتنا المسبقة باستبداد النظام و شراسته، ولكن و ماأن اندلعت المظاهرات بدرعا حتى أظهر النظام كامل قدرته على إعادة سيناريو ثمانينيات القرن الماضي على الرغم من التطور في وسائل الاتصال و الإعلام، وعمل على قمع المظاهرات بطرق مكشوفة فتارة يتحدث إعلامه عن مؤامرة خارجية و مرة عن مؤامرة طائفية و أخيراً عن عصابات مسلحة، مع استخدام آلتهِ العسكرية و كل أنواع البطش و التنكيل و القتل و الحصار و الاعتقال. و لكن هذا لم يمنع من انتشار الاحتجاجات بمناطق اخرى حتى وصلت الى معظم المناطق بسورية بحرصٍ على سلمية الثورة لمعرفة المحتجين بأن النظام لن يتوانى عن فعل أي شيء لقمعهم وتخويفهم.

في ظل هذه الظروف كيف سيتم التصدي لقمع النظام وعنفه؟.

و هل نستطيع بالوسائل السلمية تحقيق أهداف الثورة من إسقاط النظام و بناء مجتمعٍ حر قائم على سيادة القانون؟.

إن مانطمح اليه بعد أربعة عقود من الاستبداد هو أن نعيش في ظل وطن حر قائم على:

اولا- بناء مجتمع ديمقراطي مؤسساتي يسوده القانون.

ثانيا-بناء دولة مدنية تحترم الانسان.

ثالثا- تحقيق العدالة الاجتماعية و المساواة.

علينا ان ندرك ان التغيير السلمي الأخلاقي هو الاقوى، و حتى نصل الى مانصبوا اليه يجب علينا تطوير وسائلنا السلمية بالعلم والمعرفة والفكر والفنون، وهذا ما يسمح للمشاعر الإنسانية الطيبة ان تأخد دورها وهو مايضمن الحفاظ على الانسان و الوطن.

إن نجاح الثورة لا يتم إلا بتطوير الوسائل السلمية وذلك عن طريق التواصل ونشر الأفكار وخلق تواصل نوعي مع الجماهير وهي تأخذ اشكال متعددة منها:

المنشورات والصحافة والإعلام وأنشطة ميدانية أخرى.

إن ميزة العمل السلمي هي في مشاركة أفراد الشعب بمختلف ثقافتهم وأعمارهم وبأشكال مختلفة وذلك للتعبير عن الرأي الرافض للاستبداد وإقناع المترددين من خلال وسائل الإعلام المختلفة والتفاعل عبر شبكات التواصل الاجتماعي والانترنت، إضافة إلى الفعاليات الاجتماعية الضرورية كمساعدة ذوي الشهداء والمعتقلين والجرحى والمتظاهرين.

و حتى نصل الى ما نحن ماضون إليه علينا مساعدة الناس في التخلص من عقدة الخوف من المستبد، وذلك بإظهار الشجاعة في قول كلمة لا في وجه الطاغية، والعمل على تنشيط المجتمع وحشد الامكانيات من أجل تغيير سلمي وبناء مجتمع جديد قائم على العدالة و الحرية.

وكلما حافظنا على استمرار سلمية الثورة سيساعدنا هذا على تفكيك النظام القمعي.

ولو قمنا بمقارنة بين التغيير السلمي الأخلاقي و التغيير القائم على العنف المسلح سنجد :

أولاً. ان طريق التغيير السلمي الحضاري غالباً ما يفرز انظمة ديمقراطية بينما تجد دعاة حمل السلاح بمجرد وصولهم الى الحكم تتحول السلطة الى ديكتاتورية إقصائية قمعية.

ثانياً. في التغيير السلمي نحافظ على القوة العسكرية قي البلد بينما التغيير المسلح يستنفذ هذه القوى و يحطمها و يجيرها لخدمة النظام.

ثالثاً. السلمية تعتمد على الجماهير الشعبية في التغيير لذا فهي تعبر عن تطلعات الشعب في حين التغيير المسلح يتطلب تدخل خارجي يكبل الدولة و يصادر حرية القرار الوطني.

رابعاً. ان المظاهرات السلمية تحرج النظام و تجعله أكثر حذراً في طريقة القمع، فارتفاع عدد الضحايا سيفقده مناصريه مما يزعزع أركان نظامه بينما استخدام السلاح يسبب حرباً اهلية تزهق الكثير من الارواح بالجانبين.

إن التغيير الحضاري في سوريا يبدأ من سلمية الثورة، ومن اجل بناء وطن الحرية و العدالة ينبغي محاربة كل من يدعو الى عسكرة الثورة والعمل على محاربة الانشقاق بالجيش لأننا لا نريد لسلاحه ان يتدخل حتى و لو كان للدفاع عن المتظاهرين.

ثورات سلمية في التاريخ:

** إن أعظم الثورات السلمية هي دعوة الرسول محمد (ص). لقد فضّل النبي محمد (ص) سلمية الدعوة على الرغم من تعرضه للاذى النفسي و الجسدي هو وأصحابه.

لقد أهدروا دمه، خططوا لقتله، وهددوا أهل المدينة ان آووه و مع كل هذا كان مبدأ النبي أن لاينافق ولا يكذب لاخوفاً ولا بحجة الاكراه. وعلى الرغم من الأذى الكبير لم يستعن إلا بالصبر وعدم الرد على الأذى، وكان يبحث عن مناصريه بهدف الحماية من اعدائه.

ولم ينتقل إلى طور جديد الا بعد ان أسلم العشرات و منهم حمزة عم الرسول وعمر ابن الخطاب و هو ما ساعده بالمجاهرة بالدعوة بشكل تدريجي كالسير بصمت من دار ابن الأرقم الى الحرم وبقي على هذا الحال حتى هاجر الى المدينة.

** في الهند بين عام 1930 و 1931 قاد المناضل السلمي الأشهر غاندي عصيان مدني واسع ضد البريطانيين أخذ شكل المقاطعة الاقتصادية وكانت هذه بداية مشوار طويل و ناجح من النضال السلمي.

** في 1955 قاد د.مارتن لوثر كنج حملة اللاعنف التي استمرت على مدى 15 عاما ضد سياسة التمييز العنصري مستعينة بشكل اساسي بالمسيرات ونشاطات العصيان المدني و المقاطعة و الإضراب.

** في 1944 شهدت غواتيمالا حراكاً شعبياً سلمياً بدأ بين الطلاب وأساتذة الجامعات يطالبون بإجراء إصلاحات ويدعون الى إطلاق سراح المعتقلين. ردت الحكومة ببعض الإجراءات و لكنها كانت غير مرضية وهذا ماأدى الى تزايد الاحتجاجات التي قوبلت بالمدافع والرشاشات.

استمرت المواجهة غير المتكافئة فحمل المتظاهرون كلمة (ارحل) بدون اي سلاح بعد أن قرروا بأن يكون تحركهم سلمياً فسقط عدد من الشهداء و الجرحى ودخلت البلاد بصمت حذر واستمرت الاعتقالات بين كوادر النخبة.

على الرغم من ذلك عاد الطلاب للخروج حاملين لافتتات كتب عليها (سيد خورخي ارحل). كانوا يقبلون الاعتقال بصمت و رضى تام وبهذه الطريقة انضم للحراك الشعبي النقابات بكل انواعها ثم حملت الحافلات لافتات كتب عليها (سيد خورخي ارحل)، وفي العاصمة و المدن الأخرى كانت الناس تخرج الى الشارع مشبوكة الأيادي في تعبير عن معارضتها للنظام.

وامتدت روح المعارضة لتشمل قطاعات واسعة من الشعب و كان الشغل الشاغل للديكتاتور كيف يقضي على المعارضة السلمية فأعلن حالة الطوارئ و قام بتصفية جماعية لطلاب معتقلين ثم لم يلبث ان أعلن الاضراب العام واستمرت المظاهرات بصمت .. بأخلاق عالية .. لم يرموا حجر واحد .. وهم يواجهون الشرطة بصمت رافعين شعارهم الذي تحول الى اغنية (سيد خورخي ارحل) حتى غادر في تموز 1944 .

اننا يا سادة لسنا أقل حضارة من هذه الشعوب و لدينا موروث ثقافي وديني وقدرات تجعل ثورتنا بمصاف الثورات الأولى بالعالم.

الرحمة لشهدائنا و عاشت سورية حرة ابية

http://the-syrian.com/archives/57270

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى