صفحات الناس

إنخل ولواؤها “القانوني”

معتصم الديري

 للجنوب دوماً قضايا أرض، وطن ، ثورة، زيتون يختلف تبعاً للبلاد. الجنوب السوري لثورة الكرامة هو درعا. جنوباً تكبر كتائب الثوار بلا أخطاء يمدحها نظام الأسد، أو يذمها الثوار. الحرب هنا لها شكل عادي. النصر المسلح مشته المدينة درعا بأبنائها بعد توحدها في ألوية عرفت بإعتدال تشتهيه المدن البعيدة.

 ينتشر في المحافظة عشرون لواء، جنوباً تشتد معارك “لواء توحيد الجنوب-لواء شهيد حوران-لواء تحرير حوران” في معركة”الحرائر” او “واه معتصماه”. وغرباً يسود الهدوء لالوية حررت أغلب المنطقة الغربية، وعرفت مثل سابقها باعتدالها “لواء شهداء اليرموك-لواء المعتز-لواء فجر الاسلام-لواء الحبيب المصطفى”.

 وإلى الشرق من مدينة درعا التي بالطبع لا تعرف هذا التقسيم، تخوض الالوية معارك تحرير ضخمة منها “لواء فلوجة حوران-لواء محمد بن عبدالله-لواء اليرموك -لواء المهاجرين والانصار-لواء التوحيد”، ومثلها الوية تستمر في معارك “توحيد الجنوب”.

هكذا تمضي في حرب المحافظة لتصل شمالها الخاص، هناك مضت السلمية، وكل شيء في مدن ذاك الشمال هو الأول والخاص. حيث أول إعتصام في ثورة الكرامة كان في جاسم في نيسان الثورة، وأول مدينة في سوريا دفنت 14 شابا لها في 25 آذار 2011 وهي الصنمين. وفي الشمال مدينة تحفظ عنها درعا أول الشعارات وهي إنخل أول مدينة رفعت شعار اسقاط النظام.

يحار ابناؤها بين اسمين تاريخيين لها أم النخيل، أو أم الذهب، ولكنها ككل درعا رومانية التاريخ، ولا تهتم للأسماء.

لمدينة إنخل طقس يعرفه كل أهالي حوران في عهد الثورة، فأهل المدينة كانوا يقومون بجولات على مدن حوران ضمن حملة”بلا صور بلا تماثيل”، يحرقون ما تبقى من صور للاسد وتماثيل، وان لم يكن قد تبقى، فكانوا يحضرون معهم صوراً ليقيموا طقسهم الخصوصي ويرجعوا الى مدينتهم الخاصة.

لم يحرسها نشاطها السلمي من هول الدبابة ولا من وحشة القصف، دخلها النظام في 11 ايار 2011، ليخرج ابناءها الذين عرفوا باول من لبس الكفن برمزية انهم يريدون الموت إن كان الموت يعبر للحرية، وعادوا في ذاك التاريخ بعشرة شهداء لأكفان جاهزة.

المدينة أنخل رومانية بجدارة تاريخها وما تحمله من معالم، فالبروفسور الالماني “شتانسل” رجح أنّ قصرها الروماني الواسع “قصر زين العابدين” يعود لحاكم المدينة، لكن حضرة البروفسور لم يكن لا هو ولا حكومته حين قتل نظام الأسد أكثر من 21 ابنا للمدينة في مجزرة معمل السجاد في 21 حزيران العام الماضي.

ومن يومها كان آخر هجوم بري للنظام على المدينة، بعد تمركز حواجز له فيها،  فالمدينة صار لها ثوار منظمون بلواء هي مركزه. خاص هو مثل حال المدينة في حراكها السلمي. لواء “حمزة اسد الله” الذي يضم ضمن هيكليته محامياً و قَسَماً بتسليم السلاح بعد إنتهاء الحرب.

اللواء الذي يتمتع بقيادة عسكرية، وتوجهات معتدلة بقيادة العقيد “أبو ضياء” أعلن عن تشكيله رسمياً في 9 نيسان 2013. أبو ضياء يملك شيبا لرجل في اخر الاربعينات. قائد الكتيبة الثانية “دفاع جوي” في ريف دمشق في محيط مدينة “جديدة يابوس”. انشق قبل تسعة أشهر ليعمل على توحيد العمل العسكري للثوار في المدن الثلاثة.

يتناول “أبو ضياء” لجريدة “المدن” قضية انشقاقه كالتالي : “الأمور تمشي طائفيا في الطبقة العليا من الضباط. كنت أنا قائد الكتيبة ولكنني لست وحدي، ولست كل شيء فيها. كان علي أن أتصرف كضابط اجتماعي في الكتيبة. كنت اتعامل مع المجندين بحذر وحب شخصي، ومع الضباط كنت ذاك المحب لصورة القائد، والا انتهى امري في ظلمات سجونهم ككثيرين قبلي”.

عن ايام الانشقاق ورأيه كعقيد في وصول الثورة لقضية الانشقاقات : “كنت أشتهي أن تأخذ الثورة كل سبل عصيانها المدني، أن يتوقف موظف الكهرباء والماء عن عمله، أن تتوقف الحياة المدنية للنظام في مرحلية أولية، ثم يأتي دورنا، لكن العكس حصل. وكان علينا أن لا نحلم أكثر، كان علينا كضباط فعل الانشقاق واجب بعد أن جُرت الثورة للتسليح مباشرة، وأنا شخصيا لم اكن ذاك الملاك الضابط، لكنني ساهمت في انشقاق 27 ضابطاً ومجنداً من الكتيبة”.

وعن سبل التواصل بقضية الانشقاق مع العناصر يجيب أبو ضياء: ” التواصل كان عبر تاريخ مدنهم الثوري وتواصلهم بضباط كانو هم صلات الوصل كان الامر يتم اما بالاجازات، أو بارسالهم لنقاط حراسة بعيدة عن نظر ضباط الأمن”.

لواء “حمزة أسد الله” الذي ينتشر في مدن شمال حوران “الصنمين-جاسم” ومقره مدينة أنخل، تتوزع فيه خمس كتائب: كتيبة شهداء الصنمين، كتيبة مجاهدي حوران، سيوف الاسلام، كتيبة ابو بكر، وكتبية المهام الخاصة.

عمليات اللواء العسكرية وسياسة العمل فيه يرتبها أبو ضياء ل”المدن” كالتالي: “ربما لنا مقر نوم واكل ولكن مقر قتالنا هو كل الجنوب. ننتشر حيث المعركة. عملنا في الشمال في تحرير مدينة جاسم مع ألوية “الجيدور” و”ابابيل حوران”. تصدينا لاقتحام النظام مدينة انخل”.

اللواء الذي أشتهر بعملياته على الحدود ونشاطه هناك، كانت اشهر عملياته كتيبة مدفعية “الناصرية” بالقرب من محافظة القنيطرة، والحدود الاسرائيلية. تلك الكتيبة التي غنم الثوار منها أسلحة نوعية، وبكميات ضخمة.

يتكلم أبو ضياء عنها: “عدنا بجريح واحد والحمد لله، ولأفيدك بشيء هو رأيي انا بعد تلك المعركة. العمليات العسكرية الأن ليست معارك جيوش. صحيح انني كنت عقيداً في الجيش السوري لكنني الأن قائد ميليشيات للثوار وحسب، فالمعركة الآن لمن يعرف كيف يتعامل وتتعامل معه الارض، وليست للجنرال فحسب”.

يضيف “ابو ضياء” عن أخر معاركهم: “آخر عمليات الحدود كانت تحرير السرايا الحدودية منها السرية الثالثة والرابعة. وكذلك نحن الان نتابع عملنا في معركة بعيدة عن آخر المعارك، حيث لنا كتيبة تشارك في معركة “توحيد الجنوب” في اللواء 52،  وكل القصد تحرير أين ما حلت المعركة”.

وعن حساسية المعارك على الحدود يضيف قائد اللواء: “لا معارك مشروعة على الحدود، ولا تمويل لتلك المعارك، عليك أن تتصرف وحدك كقائد وكمسؤول عن معارك لا أحد يريدها، كل ما كان بالحسبان والله أعلم، هو سلامة الثوار وحسب. لا تلك الدولة ورضاها علينا ولا اسرائيل، ولا حسابات الحدود”.

اللواء المعروف بتنظيم داخلي في شمال درعا، يدخل في هيكلية عمله “محامي اللواء”، وهو مجاز في الحقوق وذو خبرة قانونية. يجيب عن النقطة “أبو ضياء” : “كونا هيئة شرعية قانونية  تضم شيخي دين ومحامي، وكان من شروطي تواجد القانون في اللواء، فبالنهاية نحن نمشي نحو دولة القانون، نحو سوريا المدنية”.

وعن مهام المحامي داخل اللواء يخبرنا أبو ضياء : “هو مسؤول عن كل القضايا المتعلقة والعالقة في المدينة. سواء كانت تخص اللواء وعسكره أو المدنيين.  المحامي هنا باختصار هو القانون”.

عن دولة القانون وتنظيم السلاح يتابع أبو ضياء: “أساس العمل كان العهد الذي وضعناه نحن كقادة، فبيننا خمسة ضباط، اتفقنا بأن يسلم كل المسلحين في اللواء سلاحهم فور انتهاء الحرب في سوريا وسقوط نظام الطاغية بشار. وتسليم السلاح هو أمرٌ يوقع عليه كل من يتسلم بندقية، وهي عبارة موقعة في هوية كل مقاتل”.

أبو ضياء يرى في انتشار السلاح عشوائياً فوضى أسوأ من حكم الأسد، ويضيف: “يكفي هذه البلاد ما حل فيها من دمار وتدخلات. يكفيها إنهيار مؤسساتها، لكن أن تنتهي من حكم الاسد لحكم بنادق مبعثرة هنا وهنا، هذا ما لا نشتهيه، وربما نضطر أن نحارب لأجله”.

لا ينهي قائد لواء “حمزة اسد الله” حديثه كله هنا. يعض على سيجارته هادئاً. يغير ترتيب الاوراق بين يديه ويضيف : “الثورة ليست قضية صغيرة في ايام التدخلات هذه، هذه أيام بيع كبيرة وصغيرة بالنسبة لبعض القادة من جهة ولافراد من انتهازيين وبعض الشيوخ الذين يدعون الدين من جهة أخرى”.

أبو ضياء الذي يتمسك بالقانون يضيف في حديثه عن كثرة الانتهازيين الذين دخلوا كالسم على الثورة: ” كل ثورة يتلوها ما يسمى”عدالة انتقالية”. ستنظف البلاد نفسها من هكذا اشخاص مهما كانت علاقاتهم الدولية، ومهما كانت عشائرهم وسلاحهم. فالبلاد يا بني، لا تغفر لباعتها، ولا تخلو من أبنائها، والثورات لا تنتهي بسقوط الأنظمة القائمة سابقاً بل بقيام الدولة”.

ينهي “أبو ضياء” حديثه: “إن تدخل رأس المال وأولئك الشيوخ الذين يدعون الدين في الثورة، هو سرّ مشاكلها، وهو سبب رئيسي مع تدخلات اقليمية  في آن تأخذ الثورة كل هذا الوقت، وهذا الحجم من الأخطاء، لكنها تبقى ثورة كرامة، ثورة شعب”.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى