إنهم يتساقطون يا لَثِقَلِ قتلاهُم
فاتن حمودي
مائة وخمسون يوما من عمر الثورة السورية، أو كما أطلق عليها الانتفاضة الشعبية، والتي انطلقت شرارتها في الخامس عشر من آذار/مارس الماضي، مائة وخمسون يوما سقط فيها أكثر من 2500 قتيل، واكثر من 3000مفقود، ناهيك عن 30 ألف معتقل.
إنهم يجرون البلاد إلى حلبة مصارعة، هؤلاء شياطين المافيات، سماسرة الأسلحة، تجار الأعضاء، والمخدرات، والرقيق الأبيض والأسود، هؤلاء الرق الذين لم يرتفعوا إلى مصاف الإنسان وبقوا محتفظين بتشوهاتهم، لذا ليس غريبا أن يشوهوا الشجر، وأغصان العافية، ليس غريبا أن يرموا بالبلد إلى البحر ليبقى كرسيهم الأعرج المنخور، قضيتهم واضحة إما هم وإما هم، وليذهب البلد إلى الجحيم…
لتذهبوا إلى الجحيم..ألف جحيم ..ألف غبار وملح ..لتذهبوا إلى الهاوية أيها القتلة.
مائة وخمسون يوما والصورة تسيطر على المشهد،، سواء على الأقنية الفضائية، أو على مواقع الانترنت، أو الصحف اليومية، صورغالبا ما التقطت بكاميرا الهاتف المحمول، صورة طفل مطعون يصرخ، أم تولول محتضنة رضيعها الذي مات، وامرأة تستغيث مما أصاب شقيقها من قتل وتشويه، شباب يتدحرجون على الأرض، فيما الدم شقائق الحيرة والوجع، مآذن تتطاير، ومغن مذبوح يتردد صدى صوته:’والشعب بدو حرية’.. صرخة تخترق الجبال والوديان…والحدود أيضا…’جايين من عتم الزنازين من قلب ها الأرض طوفان جايين’، يصرخ الشاعر في أنشودة شعبه..تتسع صورة الشهيد، الضحية، الفداء، العاشق، الحالم، البائس، التعيس، السعيد، المنتظر أن يرى فجرا آخر..آخر تماما.
وعلى طرف آخر تبرز صورة الجلاد، أكبرمن المدن والقرى..أكبر من الأنهار والبحار، في التشوه، في الجنون والمرض، في اللا انتماء لأي شيء لا لقيم ولا لإنسان، ولا لشجرة على طرف زقاقنا في الحي، لا ينتمي لأي شيء، سوى الرغبة في القتل..
مائة وخمسون يوما….أمهات بسواد وأغطية بيضاء، يقطعن الوقت بالتسبيح، حبيبات بأحلام العرس والعناق، حبيبات يخبئن ألف ألف قبلة في صندوق العرس، ألف ألف حسرة، وألف طوق خرز..أمام اتساع مشهد القتل، الذي يفوق حدود التصور والاستيعاب، فسقوط ألف شهيد، يعني سقوط آلاف الأحلام، والطموحات، وألف غصن زيتون وألف قلب أم..
مائة وخمسون يوما، وهم يستبحون البلاد والعباد، المدن والقرى، يفتشون بين حصى الأنهار، وتنانير خبز الأمهات، يفتشون بين عربات الباعة المتجولين، وبائعي البسطات في سوق قديم، يفتشون في بطون الأمهات ..في ألعاب الأطفال، يفتشون الحقول، ينبشون القبور، يبقرون البطون، خمسة أشهر مرت…يا لهول المذبحة… يا لهول المشهد …خمسة أشهر وملايين الملايين تنتظر الخبر العاجل:… إنهم يتساقطون يا لَثِقَلِ قتلاهُم.
كاتبة من سورية