إنهم يكذبون على السوريين/ سامح راشد
بدا الإحباط واضحاً على وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، بعد اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي مع نظيرهم الروسي، سيرجي لاروف، بسبب التمترس الروسي وراء بشار الأسد، سواء لشخصه أو باعتباره رمزاً تجتمع حوله مؤسسات النظام والقوى العسكرية والأمنية. ليس الموقف الروسي جديداً، فقد بدأت إشاراته منذ أربعة أعوام، عندما رفضت تضمين بيان جنيف-1 نصاً واضحاً بشأن وضعية الأسد ومستقبله. منذ تلك اللحظة، كان على الأطراف الأخرى إدراك أن موسكو لا تبحث عن حل سياسي، ولا عن تسويةٍ سلميةٍ، وإنما عن بقاء نظامٍ يؤمن موطئ قدم لها في سورية. حتى وإن اقتصرت سيطرة ذلك النظام على مساحة محدودة، المهم أن تتيح لها منفذاً على البحر المتوسط.
أما حجة الإرهاب فقد صارت بلا معنى، بعد أن قصفت موسكو كل فصائل المعارضة، بما فيها “المعتدلة”، واكتفت بدغدغة “داعش” بمناوشاتٍ لم تمسّ معاقلها بسوء. ولأن روسيا لن تعترف، بالطبع، بأن “داعش” لم تتأثر إلا قليلاً، راحت تبحث عن عدوٍّ جديد. فبدأ الحديث قبل أسابيع عن جبهة النصرة، والتحضير لوضعها على رأس قائمة الإرهاب، غير أن الأمر لا يتعلق بكون “النصرة” أو حتى “داعش” إرهابية أم لا، فالمسألة هي الكذب على سورية والسوريين تحت عنوان “مكافحة الإرهاب”، فموسكو لم تشارك التحالف الدولي الذي يضرب “داعش” منذ عامين. في حين تشارك واشنطن في تجاهل ما تمارسه إسرائيل من إرهابٍ بحق الفلسطينيين، وكذلك المليشيات الشيعية بحق السنة في العراق وسورية. فالكذب، إذن، ليس روسياً فقط، لكن روسيا أكثر وضوحاً وصراحةً، إذ تقول إنها مع “الدولة” السورية، وحين ترفض جمع كل فصائل المعارضة السورية في سلةٍ واحدة. بينما الولايات المتحدة وأوروبا تضيفان إلى الكذب نفاقاً رخيصاً لم يتوقف منذ خمس سنوات، بدءاً بشعار “لا بد أن يرحل الأسد” الذي رفعته واشنطن وبريطانيا وفرنسا بعد أسبوعين من اندلاع الثورة السورية ومواجهتها برصاص قوات الأسد، مروراً بالحديث عن مساندة ما يسمى “المجتمع الدولي” المعارضة، وتشكيل “مجموعة أصدقاء سورية” للتنسيق حول تقديم الدعم اللازم للمعارضة.
وتوالت، بعد ذلك، أفكار للاستهلاك الإعلامي ليس إلا، مثل اعتبار الهيئة الممثلة للمعارضة (المجلس الوطني ثم الائتلاف) ممثلاً شرعياً للدولة السورية. ثم تسليح المعارضة، وبعد ذلك مشروع تدريب أعداد منها. أما على الأرض، فلم يتم أي من تلك الخطوات والأفكار إلا جزئياً، وبشكل انتقائي لا جدوى فعلية له. بينما كانت الأسلحة الروسية والإيرانية تتدفق إلى قوات النظام، عبر طرق وممرات واضحة ومرصودة، من دون أي عوائق، وتحت سمع واشنطن وأوروبا وإسرائيل وبصرهم ورضاهم. ثم وصل الكذب الأميركي والأوروبي قمته بإعلان قبول استمرار بشار الأسد ونظامه. ثم حث المعارضة، وبالأصح إجبارها، على الدخول في عملية تفاوضية بلا معايير موضوعية أو أسس واضحة، عدا الإبقاء على بشار والجوقة المحيطة به. وهو ما يتناقض ليس فقط مع أهداف الشعب السوري ومطالبه، بل أيضاً مع ما يلوكه الأميركيون والأوروبيون في الإعلام وأمام الكاميرات منذ خمس سنوات.
بالتزامن مع موقف موسكو والاستياء الخليجي منه، كان المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، يعلن نيته التشاور مع الأطراف المعنية، لتحديد موعد استئناف مفاوضات جنيف. ثم يناقض نفسه باستبعاد حدوث ذلك في شهر رمضان، على الرغم من أن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، كان أعلن قبل أسبوعين، أن المرحلة الانتقالية ستبدأ في أغسطس/ آب المقبل! على دول الخليج وتركيا، وكل من يدعم الثورة السورية، إدراك أن القوى الكبرى في العالم تكذب على السوريين، وليس أدل على ذلك من التناقض بين كذباتها.
العربي الجديد