إنهيار حائط دمشق
بقلم: وائل الدندشي
تمضي الأيام لتقترب مني وتحاصرني جدران الأربعين عاماً في إغترابي القسري دون أدنى هويةٍ وطنيةٍ
لتكون الثمن الذي أدفعه من عمري كل يوم لقاء عدم معرفتي من أكون.. إبنٌ لأي وطنٍ أنا؟
لم أسكن هذا الإغتراب رغبةً في ما يسميه البعض ب “الحياة الأفضل” بل إلتجأ إليه والدي منذ أكثر من
ثلاثين عاماً لمجّرد أنه حاول في شبابه أن يفكّر بحرّية.. وهاهم أبنائي من الجيل الثاني الذي ولد في
الإغتراب يبدأون مشوارهم بلا وطنٍ ودون هويةٍ وطنيةٍ ويدفعون الثمن ذاته لقاء عدم معرفتهم من يكونون..
أبناءً لأي وطنٍ هم؟
مع بدء ثورة الخامس عشر من آذار، خاض الثوار منذ يومهم الأول معركة الحرية التي تسابقوا لدفع ثمنها
من دمائهم الطاهرة حين ارتقى في درعا حسام عياش، أول شهداء الثورة، ليبدأ بعدها مسلسل التضحيات
بالأرواح من أجل الحرية المسلوبة ورفضاً لعبودية الديكتاتور.. غير أن قضيتي وكثيرٌ من المغتربين
القسريين تتعدى كونها قضية حريات مسلوبة.. إنها قضية المواطنة التي أكل أبناء جيلي حصرمها منذ نشأتنا
في الاغتراب ثم ورثناها أبنائنا بينما تمر الأيام الخرساء على آبائنا وهم يشيخون في اغترابهم الذي حرمهم
من الوقوف على قبور آبائهم أو إلتقاط إحدى تلكم الأنفاس الصباحية من على شرفات بيوتهم بالوصاية التي
ربما لم يسكنوها ولو ليلةً واحدة..
يقف المهجّر السوري أمام هذه الثورة المباركة ويبحث في خضمها عن مواطنته المسلوبة، وهو الفرق بين
ثمن الحرية الذي يدفعه الثائر على الأرض وثمن المواطنة الذي يدفعه المهّجر في الإغتراب.. ما لا يدركه
البعض أن ذلك الأخير يدفع منذ زمنٍ بعيدٍ أقساطاً لا نهائيةً من عمره ومن ذكريات المكان الذي لن يمتلكه،
كالبيوت المستأجرة.. تمرّ من أمامها فتعتصر ذكريات فؤادك حتى تقطر عيناك، وعمرك يمضي في فراغ
المواطنة الذي تعيشه دون أدنى إحساسٍ به إلا.. من جواز سفر، وأنت وحد أيها المهّجر السوري.. أنت فقط
دون غيرك من باقي البشر تتلقى التهاني والتبريكات كلما نجحت في تجديده واحتفظت بإثباتٍ لمواطنتك
المفرغة من مضمونها لعامين إضافيين.. أنظر لنفسك في المرآة الآن وابتسم حاملا جواز سفرك فأنت
مواطن سوري، وسيحملك هذا الجواز من اغترابٍ إلى آخر..
واليوم.. وعلى مشارف عامٍ من ميلاد الثورة، تتكاتف الأيادي بين ثوار الحرية في الداخل وثوار المواطنة
من المهجّرين في الخارج لتبني جسراً من التضحيات بالروح والدم والعمر والمال والوقت، حيث يقف
بينهما “حائط دمشق” الذي بناه النظام.. كحائط برلين، كلٌ منّا يحفر فيه بأظافره وبمعوله وبالبندقية حتى
ينهار بين أيادينا.. هي ثورةٌ حتى النصر بإذن الله..
كل عامٍ وأنتم أحرار.. وكل عامٍ ونحن مواطنون
2102/3/3 م