صفحات المستقبل

إلى الدكتور برهان غليون والمجلس الوطني : ليس بالحبّ والكلام سيسقط النظام


أجرت جريدة الأخبار اللبنانية في عددها الصادر هذا لاثنين 17 تشرين الأوّل مقابلة مع الدكتور برهان غليون المرشح لرئاسة المجلس الوطني السوري. لولا أنّ نصفي من حمص وأعرف أهل حمص جيّداً وهم قد أثبتوا شجاعتهم وذكاءهم وفكاهتهم حتّى تحت القتل في مواجهة عصابات المستأسد السفّاح، لقلت أنّ برهان غليون وهو من حمص “عم يجدبها علينا”.

الدكتور برهان قال أنّ المجلس الوطني لن يتحاور مع نظام بشار المستأسد ولكنّه مستعدّ “للتفاوض مع أي طرف من النظام ممن لم تتلوّث أياديه بالدم حول نقطة واحدة وحيدة، وهي كيفيّة نقل السلطة وتفكيك النظام القائم والدخول في مرحلة انتقاليّة نحو الديمقراطية في سوريا“. يعني هذه “حمصيّة” ولا أدري من يصدّقها؟ هذه كمن يريد أن يتفاوض مع الاسرائيليّين على إعادة أراضي فلسطين بكاملها للعرب ومحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة وعودة كل الفلسطينيين إلى أرضهم، على أن يبقى بقيّة اليهود الاسرائيليّين الذين لم يرتكبوا جرائم يحقّ الشعب الفلسطينيّ مقيمين في فلسطين كمواطنين لا امتياز لهم، في دولة سيكون العرب فيها هم الغالبية العظمى. عصابة المستأسد لن تُصاب بالندم فجأة لترضى أن تتنازل عن عرشها لتُحاكم وتُساق إلى السجن أو حبل المشنقة، وهي ترى نفسها الأعلى والأقوى وتظنّ أنّ سوريا هي ملك لها تتوارثها وتفعل فيها ما تريد. يعني هذا كما نقول هو “أمل ابليس بالجنّة”.

وكيف يريد الدكتور برهان أن يفكّك النظام لننتقل إلى الديمقراطيّة؟ هو ضد التدخّل العسكريّ الأجنبي، وهذه لا يختلف عليها أحد من العرب والعجم، ولكنّه يريد “مراقبين مدنيين دوليين وعرباً، وإعلاماً أجنبياً“. يعني هذه أيضاً “حمصيّة”، فهل ترون هؤلاء المراقبين يتجوّلون بحريّة في شوارع مدننا المجاهدة التي تتحدّى عصابات الشبّيحة، أو في دمشق وحلب كي ينزل المندسّون إلى الشوارع بعشرات أو مئات الآلاف هاتفين “الشعب يريد إعدام الرئيس”؟ أتظنّون أن المافيا الحاكمة ترضى بهذا؟هل نحن في سويسرا أم في سوريا؟ (لاحظوا أنّ الاسمين متشابهان). الدكتور برهان يقول أنّ هذه الحماية الدولية “ستساعد على استمرار الثورة وتوسيع قاعدة المشاركين فيها“، فإذا كان هذا الأمر بديهيّاً للجميع فكيف يُريد أن يفرض هذه الحماية على النظام كي يسقط؟

ويزيد الدكتور برهان الطين بلّة، فهو لا يراهن “على المنشقين عن الجيش السوري، بل على إمكانية حصول انشقاق سياسي كبير عن النظام“. اسمحوا لي، ولكن هذه أيضاً “حمصيّة”. هل من المعقول أن نراقب عشرة أو عشرين ُمن أبناء بلدنا يُقْتَلون في كلّ يوم ونحن ننتظر “إمكانية حصول انشقاق سياسي كبير”، وهل يوجد أصلاً في سوريّا سياسيّون قادرون على إيقاف آلة القتل التي يسيطر عليها آل المستأسد وأعوانهم المقرّبون؟

انشقاق الجيش السوريّ يكاد يكون الأمل الوحيد إذا أردنا لهذه الثورة أن تستمرّ وتنتشر بعون الله ولا يوقفها تزايد القتل. ليت برهان غليون ينادى الجيش صراحة إلى الانشقاق وعصيان الأوامر، ليته ينادي الجيش إلى إدارة السلاح نحو الذي يأمره بإطلاق النار على المواطنين وإلى توجيهه نحو عصابات المستأسد التي تقتل بدون مبالاة، فيقع الرعب في قلوبها وتتنازع وتتردّد في التعرّض للمتظاهرين، فهم مُرتزقة حاقدون يقتلون للمال ويظنّون أن لا غالب لهم، فإذا قُتِلوا وأولِموا سيختبئون في جحورهم فيزداد الحراك الشعبيّ انتشاراً وقوّة وتزداد الانشقاقات العسكريّة والمدنيّة.

عندها نأمل أن يصل الخوف إلى قلب عصابة المستأسد وأن يدبّ الخلاف فيما بينها، وربّما يفضّل بعضهم الهرب وربّما يقتتلون فتنهار العصابة كاملاً، ولكن حتّى هذا الاحتمال يبقى ضعيفاً، فهم قتلة لا قِيَم لهم ومن كان هذا حاله فلن يغادر قبل أن يحرق كلّ شيء، ونحن نرى بأمّ أعيننا اليمن وليبيا، فلا صالح (وما هو بصالح) يقبل بالرحيل، بل ويتابع القتل رغم المظاهرات المليونية، ولا عصابات القذافي استسلمت. ولا حلّ إلّا بملاحقة عصابات الإجرام والقضاء عليها إلّا أن تستسلم وتلقي السلاح، والعرب قالت “لا يفلّ الحديد إلّا الحديد”.

من السهل أن تقول “المعارضة” سواء المرضيّ عنها أو المغضوب عليها أن الحلّ هو في استمرار المظاهرات واتّساعها، فليسوا هم الذين يُقتلون ويُجرحون ويُعتقلون ويعذّبون ويهجّرون وتدمّر حياتهم، ولا نستطيع أن نراهن على عامل الوقت حتّى يصبح عدد الشهداء بعشرات الآلاف، هذا إذا لم تخمد الحركة بالسفك المستمرّ لتنبت على دماء الشهداء “الديمقراطيّة” الجديدة التي سيصفّق لها الجميع وتُخلِّد بشار الأسد إلى الأبد.

يجب الدعوة بشكل واضح إلى الانشقاق في الجيش إذا أردنا أن نتجنّب الانزلاق إلى حربٍ أهليّة أو التدخّل العسكري الخارجي، خاصّة بعد أن أكّد بشّار ومفتيه أن عصابتهم تجهّز إرهابيّين للعمل في قلب أوروبا. قُتل بن لادن ودمّرت أفغانستان بتهمة الإرهاب، وها هو بشار يقتل شعبه ويهدّد العالم بالإرهاب ومن يريد إشعال النار قد يكون أوّل من يحترق بها. ليحترق وليذهب إلى الجحيم ولكنّنا لا نريده أن يحرق شعب سوريا معه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى