إن أصغيتم السمع لَوَصلَكم هدير الشارع: حرية..حرية
هالة العبدالله
مساء الخير، سألت نفسي لماذا سأقول لكم ما سأقوله… وما فائدة عرض أفلام سورية في بيروت اليوم.. لمن ولماذا؟
وما الذي يمكن أن أقول عن أفلام عمر اميرالاي في غيابه وعن سينماه اليوم..؟
وما الذي كان يمكن ان يقول لكم عمر؟
لن يقول لكم أفلامي تحكي عني، لانه لو كان، وما زال.. لكان سيقول لكم هذه المرة إن الطوفان وجرأة مس الديكتاتور فيه تجاوزه الواقع.
انكسرت التماثيل، حرقت الصور، وصرخ الشارع ودفع الناس الثمن غالياً… شهداء ومعتقلين ومدناً محاصرة.
الخوف الذي انتصر عليه عمر في فيلم الطوفان، في السينما، انتصر عليه الناس في الواقع. واجهوه، تحدوه وتجاوزوه. واجهوه بصدور عارية، واجهوا الرصاص الحي، الرصاص المتفجر، وحتى قصف الدبابات.
ما الذي يمكن ان يقول لكم عمر؟ ربما كان سيكتفي بأن يبتسم ابتسامة مرة معاتبة، ويدير ظهره ويمشي.
لن يدير ظهره لمن أتى ليشارك بهذه الأمسية التضامنية، فان وجودكم انتم في هذه الصالة له معناه الخاص والواضح. كما أني لن أتوجه بما سأقوله لكم انتم، وانما عبر وجودكم لمن لم يقف مع شعب سوريا.
تأتون اليوم للفرجة، لتتفرجوا على أفلام من سوريا وعن سوريا، وستستمتعون وستتناقشون وستتحرضون وربما تحبون وربما لا تحبون. ولكن هذه الأفلام التي تعكس الواقع وتحكي عنه من خلال عين السينمائي الذي أنجزها، تدفعني لأطرح سؤالاً على نفسي، وعليكم وخاصة عليهم: هل كان من الأفضل ان تتفرجوا على ما يحدث في سوريا كأنه سينما كي تتفاعلوا، كي تتحرضوا وكي تلتقوا بالحقيقة؟ لماذا تفضلون أن تمروا الى الحقيقة من خلال السينما التي تحكي عن الحقيقة، ولا تريدوا ان تتفرجوا على الحقيقة التي تعرضها شوارع المدن والبلدان في سوريا؟ اليوم ما هو الأصدق، ما هو الأكثر حرارة والأكثر أهمية؟ إن أصغيتم السمع لوصلكم هدير الشارع، حرية حرية، سلمية سلمية، ولكنكم تضعون سماعات توحد الصوت في آذانكم، توحد الموسيقى والكلمات، عوض سلمية تسمعون سلفية، وعوض حرية تسمعون ممانعة. انصتوا الى الشارع السوري كيف يتحدى طغياناً وكيف يستيقظ من كابوس. انصتوا اليه، ففيه خليط من الروائي والوثائقي والفانتازيا واللامعقول.
لن أدخل في خطاب سياسي، ولكن يعرفون جيداً أولئك الذين يتبنون نظرية نظام الممانعة ان شعباً مقموعاً حفظ فلسطين في قلبه لمدة نصف قرن هو الجدير بالمشاركة بتحريرها، ولكن عندما يتحرر، وأن النظام الذي يطلق النار على مواطنيه لن يطلق النار على إسرائيل. ويعرفون جيداً أولئك الذين يتبنون نظرية المؤامرة والسلفية أن شعباً يخرج للشارع منذ ثلاثة أشهر تقريباً مسلحاً فقط بصوته وبكاميرا موبايله، هو شعب ينادي الحرية ويموت من أجلها، وعليه هو أن يختار لون صوته، مفرداته ومقولته. ليس على أحد أن يلقنه ويوجهه ويديره ويشترط عليه.
في بداية الحرب الأهلية اللبنانية، يوم طلب اليمين اللبناني من النظام السوري التدخل، خوفاً من امتداد اليسار الديموقراطي اللبناني وسيطرته على لبنان، يومها تجاوب النظام وتدخل عسكرياً لأنه هو أيضاً كان يخشى أن ينمو ويتجذر على بعد خطوات منه نظام يساري ديموقراطي حر، وكنا شباباً صغاراً بعد، كان عظمنا غضاً، ومع ذلك، تحركنا ضد التدخل السوري، بمظاهرات خنقت وبيانات من ورق، ودخلنا السجون، شن النظام يومها حملات شرسة ضد اليسار في سوريا، وبعضنا قضى سنة وسنتين وعشر سنوات في السجون، كنا يومها ندافع عن لبنان، الوطني الحر، ولكن كنا ندافع أيضاً عن مستقبلنا وحريتنا.
لا أذكركم بتلك المرحلة لكي أقايض عليها ولشراء موقف منكم، أبداً ليس هذا القصد، وانما أردت ان أقول إن الخوف آنذاك لا يختلف عن طبيعة الخوف اليوم.
نعم ان من يقول ان اهتزاز النظام السوري هو اهتزاز للمنطقة، وان أي تغيير يشكل خطراً على المنطقة، نعم هذا صحيح، ان تغييراً في سوريا سيهز المنطقة، المنطقة المهترئة الفاسدة المغرقة بالقمع وانعدام الحريات. ان تغييراً في سوريا يجعل الحرية تتنزه من جديد كصبية في عز جمالها، تتنزه عارية وبلا خوف على شاطئ البحر الابيض المتوسط. يومها سنعمل أفلاماً عن الحب والجمال وعن الحرية، ويومها ستعود السينما لتنقل ما يحدث في الواقع.
لماذا أحكي معكم اليوم، لا أنتظر منكم شيئاً ولا أتوقع منكم شيئاً، أحكي معكم لأنني أحبكم، لأنني أخاف عليكم، لأنني أخشى على مستقبلكم، ولأنني أريد أن أطمئنكم بأننا ما زلنا في سوريا مستعدين للتظاهر ولندخل السجن من أجل لبنان وطني حر.
[ نص الرسالة التي بُثّت مصوّرة على شريط فيديو في أمسية “كان يا مكان: أفلام من سوريا”.
المستقبل