احد المعجبين ببشار اسد يكتب : أفول شمس الأسد
بيروت –رامي خوري
الأمور لا تبشر بالخير بالنسبة للرئيس السوري بشار الأسد والشبكة
المتلاحمة من الأقارب وهيئات الأمن وأعضاء حزب البعث ومعارفه من رجال الأعمال
الذين يسيطرون على البلاد.
وتزداد عزلة النظام السوري يوما بعد يوم داخل البلاد وخارجها، لكنه لا يزال
متماسكا ومستعدا للقتال حتى النهاية. لكن لم تتضح بعدُ طبيعة هذه النهاية
بالضبط، على الرغم من أنها تبدو وشيكة الآن، خاصة بالنظر إلى أحداث الأسبوع
الماضي وأبرزها:
تصريح وزير الخارجية الإيراني بأنه ينبغي على نظام الأسد الاستجابة للمطالب
السياسية المشروعة للمواطنين، وهو ما يعني أن القمع العسكري الذي يحدث في
الوقت الحالي غير كافٍ لتهدئة الأمور والحفاظ على النظام القائم. كما تحدث
حسن نصر الله، زعيم حزب الله في لبنان، علانية عن حاجة جميع الأطراف إلى
العمل معا لوضع حد للتوترات السورية بصورة سلمية.
وعندما يتحدث أكثر الحلفاء قربا لسوريا، وهما إيران وحزب الله، علانية،
ويعترفان بأن المشاكل التي يواجهها النظام السوري عميقة ولا يمكن حلها من
خلال الإجراءات الأمنية العنيفة التي يستخدمها النظام، فإن هذا مؤشر يدل على
مواجهة سوريا لمأزق كبير.
أما على صعيد المنطقة، فقد استمرت تركيا في ممارسة الضغط على حكومة الأسد
وذهبت إلى أبعد من ذلك، حين قالت إنها إذا اضطرت إلى الاختيار بين تقديم
الدعم للزعماء أو الشعب فإنها ستختار الشعب.
حتى جامعة الدول العربية، التي تعد إطارا قديما للشرعية العربية والعمل
الجماعي، أعلنت عن مخاطر الاستراتيجية الحالية التي تتبعها الحكومة السورية،
كما أرسلت الأمين العام لها إلى دمشق لتقديم خطة لحل هذا الصراع.
في الوقت نفسه، تحرك الأوروبيون نحو فرض حظر كامل على تجارة النفط السوري
ومنتجات الطاقة، وذلك في إطار سعي الولايات المتحدة ومجلس الأمن، التابع
للأمم المتحدة، لإيجاد طرق جديدة للضغط على سوريا.
لكن ما يبعث الذعر في نفس الأسد، بصورة خاصة، هو قيام مجلس حقوق الإنسان،
التابع للأمم المتحدة، بدراسة تبحث فيما إذا كان رد فعل الدولة على ثورة
المواطنين قد تضمن أعمالا يمكن تصنيفها على أنها جرائم ضد الإنسانية، وهو ما
يعني أن نظام الأسد يتقدم ببطء نحو إدانته من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
الشيء الأكثر أهمية هو أن هناك 3 خطوات من جانب السوريين أنفسهم، أولاها:
مجموعات المعارضة المتنوعة التي اجتمعت في تركيا، والتي أعلنت عن تشكيل
المجلس الانتقالي الوطني. الثانية: تصريح بعض الجماعات المسلحة في سوريا
بأنها ستسعى إلى الحصول على سلاح من أجل مقاومة الدولة عسكريا. الثالثة:
مطالبة مجموعات أخرى في سوريا المجتمع الدولي بحمايتها مما تتعرض له من قمع
عسكري من نظام الأسد.
كانت هذه جميعا خطوات صغيرة وفردية لم ترقَ إلى أن تكون خطوات حاسمة، لكن عند
اقترانها بتحركات إقليمية ودولية، سيتضح مدى تضييق الضغوط الداخلية
والإقليمية والدولية الخناق على النظام السوري والمؤسسة الحاكمة.
وقد أشار كثيرون، وأنا أحدهم، على مدار أشهر، إلى أن النظام السوري قوي
الأركان والقواعد، كما أنه يحظى بشرعية لدى الكثير من السوريين.
لكن المشكلة التي يواجهها الأسد ونظامه الآن هي أنه أهدر الكثير من هذا الدعم
وهذه الشرعية، وهو الآن «قوي» على نحو مختلف للغاية يجعله ضعيفا.
النظام السوري الآن أشبه بمجموعة من الجنود الأقوياء عند اجتماعهم معا في
معسكر حصين تحيط به قوات معادية من جميع الجهات. ولا تزال هناك قيادات وأجهزة
أمنية لها دور حاسم تدين بالولاء للنظام، فضلا عن قاعدة سياسية وديموغرافية
من الدعم داخل البلاد، بالإضافة إلى عدد كبير من الدبابات والذخيرة ومليارات
الدولارات وعشرات الآلاف من جنود المشاة.
لكن هذه الأصول كلها تم تجميعها في مساحة صغيرة تتقلص باستمرار مع ضعف
العلاقات الإقليمية والدولية، علاوة على أنها تواجه حشودا شعبية هائلة تتزايد
قوتها وحجمها وشجاعتها وقوتها السياسية بوتيرة ثابتة.. إن استخدام دبابات
حربية لقتل مواطنيك ليس دليلا على قوتك بل على يأسك.
وقد فشلت محاولة النظام السوري لحل الأزمة من خلال اتخاذ مجموعة من الإجراءات
الأمنية القمعية والحديث المنمق عن الإصلاح السياسي، وأدت فقط إلى إثارة
المحركات الثلاثة الأكثر أهمية التي ستحدد مستقبله، وهي: تراجع شرعيته
ومصداقيته أمام قطاع واسع من الشعب، وازدياد حدة تحدي السوريين له داخل
البلاد وخارجها، علاوة على الضغط الدبلوماسي التي تمارسه القوى الإقليمية
والدولية عليه.
ومن المحتمل أن تظل سوريا في هذا الوضع لمدة أشهر وهي قادرة على ذلك. وإذا
استطاع النظام الهروب من القوى التي تطوقه، فمن الممكن أن تكون لديه فرصة
لتنظيم تغير تدريجي نحو نظام حكم أكثر انفتاحا وتحررا، لكن احتمالية حدوث ذلك
في الوقت الراهن معدومة.
* محرر استشاري بصحيفة «ديلي ستار» ومدير معهد عصام فارس للسياسات العامة
والشؤون الدولية بالجامعة الأميركية في بيروت
* خدمة «نيويورك تايمز»