صفحات العالم

استفتاء القرم والاستفتاء السوري/ الياس حرفوش

نجحت موسكو من خلال الاستفتاء الذي نظمته في منطقة القرم، في إسكات الاعتراضات الغربية على عملية الغزو غير المسلح الذي قامت به قواتها بأزيائها المموهة. وكأن الغرب كان بحاجة لهذه اللعبة «الديموقراطية» التي نظمتها الحكومة الروسية ليبرر تخاذله أمام المخالفة الفاضحة للقانون الدولي التي أقدم عليها فلاديمير بوتين في القرم.

وإذا كان الأوكرانيون يراهنون على باراك اوباما لاستعادة تلك المنطقة التي فقدوها نتيجة الاستفتاء، فقد خسروا الرهان من دون شك. هناك استسلام أميركي وغربي كامل أمام الإجراءات التي تنفذها موسكو في القرم. والسبب انه لا توجد رغبة في أي من العواصم الغربية الكبرى للمجازفة بمواجهة وقطيعة مع فلاديمير بوتين بسبب أوكرانيا.

إزاء هذا الضعف في الموقف الغربي، تصعّد موسكو مواقفها، ففي اليوم التالي للقاء الوزيرين جون كيري وسيرغي لافروف، الذي استغرق أربع ساعات في السفارة الروسية في باريس، والذي كان يفترض أن يسمع لافروف خلاله احتجاجات واشنطن على الإجراءات الروسية، ودعوة موسكو إلى وقف خطواتها الاستفزازية ضد حكومة أوكرانيا، قام رئيس الحكومة الروسية ديمتري ميدفيديف بزيارة إلى القرم ليعد أهلها بتوفير الضمانات الصحية والاقتصادية والاجتماعية التي تجعل أوضاعهم مساوية تماماً لأوضاع المواطنين الروس، ما يعني أن الرسالة موجهة إلى العالم بأسره أن هذه المنطقة أصبحت نهائياً جزءاً من الأراضي الروسية، ولن تستطيع أي اعتراضات خارجية أن تدفع موسكو إلى التراجع.

اكثر من ذلك، تعتبر موسكو أن الطريقة الأفضل لحماية أبناء المناطق الشرقية من أوكرانيا الذين يتكلم اكثرهم اللغة الروسية، يجب أن يكون من خلال قيام نظام فدرالي يمنح هذه المناطق حكماً ذاتياً موسعاً. هذا الاقتراح عرضه فلاديمير بوتين على أوباما خلال اتصاله الأخير به، كما سمعه جون كيري من لافروف خلال اجتماعهما في باريس، وهدد الوزير الروسي بأن حكومته تحتفظ بحقها في اتخاذ إجراءات مناسبة لحماية الناطقين بالروسية إذا لم تتم الموافقة على اقتراح النظام الفدرالي.

ومثلما تمكنت موسكو من فرض قرارها بضم منطقة القرم على سائر دول العالم، من دون أن يحرك أحد ساكناً، فليس ما يمنع أن تنجح في فرض دستور جديد في أوكرانيا تحت الضغط ومن خلال التهديد بغزو المناطق الشرقية والجنوبية المحاذية لحدودها. وربما تلجأ مرة أخرى إلى لعبة الاستفتاء، فتطلب رأي أهل هذه المناطق بالانضمام إلى روسيا، ويكون الجواب «نعم» مرة أخرى، كما حصل في القرم، ثم يصمت العالم أمام هذه النتيجة «الديموقراطية».

الخذلان الذي يشعر به أهل أوكرانيا حيال غياب أي حماية غربية لهم في وجه الأطماع الروسية، يجب أن يكون درساً للمراهنين على مثل هذه الحماية في مناطق أخرى. السوريون يعانون من ذلك، وقد دفعوا الثمن غالياً لتصديقهم وعود أوباما ودعواته الرئيس السوري إلى «الرحيل». ومثلما حصل مع لعبة الاستفتاء في القرم التي دفعت الغربيين إلى الصمت على الغزو الروسي المموّه، فليس ما يمنع أن يصمت الغرب غداً أمام نتيجة الاستفتاء السوري الذي سوف يعيد بشار الأسد إلى الحكم مرة أخرى. عندها سيبرر الغرب ضعفه وعجزه عن التدخل بأن العملية «الديموقراطية» هي التي أخذت مسارها في دمشق، وسيصمت بحجة أن السوريين يقررون مصيرهم، وهو الموقف الذي اتخذه الغرب بعد استفتاء القرم، ليسحب يده من المسؤولية عن مصير أوكرانيا.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى