اسرائيل وسائر اصدقاء الأسد/ حسين عبد الحسين
في خضم ارتباك الرئيس الأميركي دونالد ترامب وعجزه عن تقديم سياسة خارجية متماسكة، قفزت الى الواجهة مجموعات المصالح الخاصة والنفوذ المعروفة بـ “اللوبي”، وفي طليعتها الاسرائيلي وبعض العرب، لصناعة سياسة خارجية أميركية على مزاجهم.
اسرائيل أخجلت العرب ب”لطفها”، فهي فتحت ابوابها لمعالجة جرحى سوريين، والسيد افخاي درعي، المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي، لا يفوت مناسبة الا ويعايد فيها على العرب، ويتمنى لهم اطيب الاوقات واسعدها. اما رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، فكان اول من عبّر عن غضبه على اثر الهجوم الذي نفذته قوات الرئيس السوري بشار الأسد في خان شيخون، وطالب بشدة بانتزاع هذه الاسلحة من ايدي السوريين.
ما يفوت بعض المراقبين، وكثيرين من العرب، ان نتنياهو لم يتهم الأسد بتنفيذه الهجوم الكيماوي، ولا طالب نتنياهو بخروج الأسد من الحكم، بل ان ما يهم نتنياهو هو انتزاع السلاح الكيماوي وبقاء الأسد، وهي بالضبط النصيحة التي اسداها الاسرائيليون للرئيس السابق باراك أوباما، وبادروا الى وساطة مع الروس أدت الى انتزاع ترسانة الأسد الكيماوي “المعلن عنها” حسب اتفاقية 2013.
هذه المرة، فيما تبحث وزارة الدفاع الاميركية عن عدو تقضي عليه لاستعراض قوتها واخافة خصومها الاثقل وزنا، وفيما ترى وزارة الدفاع الاميركية في القضاء على نظام الأسد هدفا يحقق عددا من الاهداف المرتبطة به، منها تنظيم “الدولة الاسلامية”، تنشط اسرائيل وبعض اصدقائها العرب في واشنطن لاقناع ترامب ان الأسد، على مشاكله، لا يشكل خطرا على احد، وان الخطر الحقيقي يأتي من ايران.
وفي وسط تشتت ادارة ترامب وبحثها عن سياسة تجاه سوريا، تحرك لوبي اسرائيل وبعض العرب لحمل الكونغرس على المصادقة على عدد من القوانين تحت عنوان “الأزمة في سوريا”، وارسالها الى ترامب لتوقيعها. اما فحوى هذه القوانين، فهي لا تطال الأسد او اركان نظامه بشيء، بل هي كلها موجهة ضد ايران ونظامها.
اصدقاء اسرائيل الاميركيين لا يخفون سياستهم هذه. السفير الاسرائيلي السابق في واشنطن دان ميريدور، الذي هاجر الى اسرائيل وتخلى عن جنسيته الاميركية ليخدم في السلك الديبلوماسي الاسرائيلي، كتب مطالعة مفصلة تطرق فيها الى المشاكل التي يمثلها نظاما الأسد وكوريا الشمالية، لكنه شدد على ان الخطر الأكبر لأميركا والعالم يأتي من ايران، التي تختبىء خلف اتفاقية نوويه تمنحها مليارات الدولارات.
والتقطت الكاتبة في “واشنطن بوست”، صديقة اسرائيل، اليهودية الاميركية جينيفر روبن مقالة اورن، واقتبست عنها، وكررت ان الخطر الأكبر يأتي من ايران، وانه لا يجب التلهي بالأسد او كوريا الشمالية.
لا يهم اسرائيل القتلى من اطفال خان شيخون ولا من اطفال حي الراشدين في حلب، ولا ضير عند الاسرائيليين في بقاء الأسد، فقتلى سوريا لا يشكلون خطرا استراتيجيا على الاسرائيليين.
كذلك، لا يهم ايران اسرائيل او ما يفعله او يقوله اصدقاؤها في واشنطن، فالبرنامج النووي الايراني تحت مراقبة دولية غير مسبوقة تجعل من شبه المستحيل على الايرانيين صناعة اي سلاح نووي، اليوم او مستقبلا، وكل ما يهم الايرانيين هو ان يموت اطفال خان شيخون، ويموت اطفال حي الراشدين، ويموت كل السوريين، ويبقى الأسد، لتثبت ايران تفوقها على العرب.
اما بعض العرب، فمعجبين بذواتهم وذكائهم، ويعتقدون ان الاسرائيليين من معجبيهم ايضا، وان الاميركيين يهللون لهم. ربما يصدق هؤلاء العرب ما تقوله اسرائيل عن انها صديقة ومحبة للعرب، وانها حريصة على مصالحهم، وان مواجهة ايران كافية لقيام تحالف عربي اسرائيلي، وهو تحالف لا يطيح بالأسد، بل ينهي الفلسطينيين، وينعش ايران وممانعتها، وتخرج اسرائيل فائزة وحيدة، ويبقى الأسد تحت ركامه وفوق اشلاء مواطنيه.
المدن