صفحات سورية

اغتصاب جماعي للسيادة السورية/ ميشال شماس()

 

 

بعيداً عن زيارة الأسد المفاجئة لموسكو وبصرف النظر عن الشكل الذي تمت فيه، والتي سعى الرئيس الروسي بوتين من خلالها التأكيد للعالم أن الملف السوري بات بيده، وإن الحل والربط أصبح في موسكو، وعلى الجميع إن أرادوا المشاركة في التسوية أن يأتوا إليه ويتحدثوا معه، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن يتعلق بمدى امكانية نجاح موسكو في فرض شروطها للتسوية السورية التي تطبخ الآن في الخفاء، في ظل الانكفاء الأميركي في المنطقة…!

فإن ماجري ويجري في سوريا هو اغتصاب جماعي للسيادة السورية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فلم يحدث في التاريخ أن اغتصبت دولة واستبيحت سيادتها من الجو والبحر والأرض بهذا الشكل، ومن قبل أفراد وجماعات أتو من كل حدب وصوب، ومن دول كثيرة في الغرب والشرق، لم يسبق أن اجتمعوا كما اجتمعوا في سماء سوريا وبحرها وأرضها .

فلم تعد سماء سوريا كما أرضها وبحرها سوريةً، إذ جرى اغتصاب سيادتها علانية على مرأى ومسمع كل من هب ودب على هذا الكون، وكان الاغتصاب عشوائياً في بداية الأمر من قبل أفراد ومجموعات جهادية وجدت ضالتها في سوريا تحت شعار إقامة الخلافة الإسلامية على أرض الشام والعراق، ثم ما لبثت أن لحقت بها مجموعات جهادية أخرى تتبع الولي الفقيه لتغتصب هي الأخرى سيادة الدولة السورية تحت شعار حماية المزارات الشيعية من الانتهاك والسبي، بينما العدو الإسرائيلي كان ومازال يمارس هوايته في اغتصاب الأراضي السورية وانتهاك حرمتها متى شاء وأراد دون رادع.

ومع تفاقم الوضع في سوريا وعجز المجتمع الدولي عن وقف القتال وفشله في إيجاد حل سياسي يحقن الدماء السورية، ويحفظ ما تبقى من سوريا، تشكّل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بداعي محاربة الإرهاب الداعشي على الأراضي السورية والعراقية، حيث أخذت طائرات التحالف تنتهك السيادة السورية على مدار اليوم والساعة وفي أي وقت يحلو لها ممارسة هذا الفعل من السماء، ولم تؤثر ضربات التحالف كثيرا بقوة داعش التي تمددت وتوسعت سيطرتها تحت نظر طائرات التحالف الدولي والطيران السوري، ومع تراجع قوات النظام أمام هجمات داعش والقاعدة وباقي تنظيمات المعارضة المسلحة، لم يكن أمام روسيا الداعمة بقوة للنظام السوري إلاَ المشاركة عن قرب في انتهاك سيادة سوريا واستباحة أراضيها. فأرسلت طائراتها وسفنها الحربية وقواتها البرية لتمارس فعل الاغتصاب من الأرض والبحر الجو على السوريين في ممتلكاتهم وأرواحهم، ليكتمل مشهد الاغتصاب الجماعي لسوريا من الشرق والغرب والشمال والجنوب وبتنسيق بين المغتَصبين لم يعد خافيا على أحد.

لقد أصبح التنسيق واضحاً بين جميع المغتصبين لسوريا، فالطائرات العربية المعارضة للنظام السوري تحلق مع الطائرات الغربية في سماء سوريا، دون أن تعترضها قوات النظام السوري، كما الطائرات السورية تطير لتضرب في الرقة ودير الزور وحلب، من دون أن تعترضها طائرات التحالف الدولي، وأخيراً وليس أخراً جاء دور الطائرات الروسية بالتنسيق مع الإسرائيلي انطلاقاً من مطار حميميم في اللاذقية. بينما يسعى الأميركيون لإرضاء الجميع، فالمهم بالنسبة لهم سلامة طياريهم وطائراتهم في سماء سوريا.

يبدو أن جميع الدول التي تسرح طائراتها وتمرح في سماء سوريا متفقة حتى الآن في الجو على تحويل سوريا أو على الأقل مناطق كثيرة فيها إلى ما يشبه السماء حيث لا تضاريس ولا سكان فيها ولا عمران. وإن اختلفوا فيما بينهم على الأرض حول من يبسط سيطرته أكثر تمهيداً لفرض شروط التسوية السورية كل حسب مصلحته والتي ستتم عاجلاً أم أجلاً، كل ذلك على حساب الشعب السوري الذي دفع ومازال يدفع الأثمان الباهظة، قتلاً وتشريداً وتدميراً للممتلكات الخاصة والعامة. كل ذلك لأنه سعى لنيل حريته وكرامته.

وعلى مدى الأربعة سنوات ونيف من قيام الثورة السورية في أذار 2011 تبين بوضوح للشعب السوري أن جميع الدول التي تسرح في سماء سوريا وأرضها وبحرها متفقة فيما بينها على منع الشعب السوري من إنجاز مشروعه الوطني في تحقيق الحرية والديمقراطية، وجميع تلك الدول متفقة أيضاً على أن لا تقوم قائمة للشعب السوري الذي انتفض من أجل نيل حريته وكرامته.

نعم إنهم متفقون جميعاً على جعل سوريا وشعبها عبرة لمن يعتبر من شعوب المنطقة في أنّ مصيرهم سيكون كمصير الشعب السوري إن هم فكروا في السعي لنيل الحرية والكرامة والديمقراطية. وجميعهم متفقون على أن الربيع العربي الذي انطلق من تونس يجب أن يتم دفنه في سوريا وإلى الأبد.

لهذه الأسباب وليس لغيرها، كشف الشعب السوري وفضح الجميع على حقيقتهم التي يمارسونها في سوريا وعلى أرضها وبحرها وسمائها، لكن المعركة لم تنته بعد، ويبدو أنها ستطول وسيغرق فيها الكثير قبل أن تستعيد سوريا وشعبها عافيتها ولو طال الزمان.

() كاتب من سوريا

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى