صفحات الثقافة

الأدب الالكتروني يستبدل فن الرسالة القديم

هل هو عصر الغرام الافتراضي؟
فاطمة عبدالله
انطوى زمن سما فيه العشق وارتقى. يومذاك تبددت المسافة بكلمة رسمت ملامح حبيب بين السطور، في الذاكرة والقلب. اليوم، ليست الرسالة هي التي تخط الملامح، فوسائل الاتصال الاجتماعي خذلتها، وجعلتها تبدو “ساذجة” في حضرة نوع آخر من الأدب، إلكتروني الهوى، جعل المعادلة، وكل المعادلات، لصالحه.
هل هو عصر الغرام الافتراضي الذي وُلد هازئاً بفن الرسالة الغرامية؟ صفحة “أدب فكر فن” سألت كتّاباً عرباً عن اشكالية الافتراض عندما يمتهن الواقع ويمسّه من الأعماق.
نسيمة بوصلاح (الجزائر)
هناك فارق بين الأدب المرسل الكترونياً والأدب الإلكتروني بمعناه الواسع. فالأخير لم يتحقق بعد في أدبنا العربي وهو أمر بدأت العمل عليه مع زوجي. برغم اتفاق أدب الرسائل مع الأدب المرسل إلكترونياً في ان كليهما تواصل مسترسل على موضوع تبدأه الرسالة الأولى إلا ان وهلية الصورة الحديثة تصنع فارقاً حقيقياً. فمن جملة ما وصلنا من أدب الرسائل الكلاسيكي لا نعرف سوى “رسالة الغفران” للمعري تتسم بهذه الوهلية حيث جاء في تحقيق طه حسين ان أبا العلاء ما ان وصلته رسالة صديقه حتى شرع في املاء الرد عليها، أما باقي الرسائل فبحكم تقنية الإرسال البطيئة وإيقاع العصر قديماً فقد كان متاحاً ووارداً جداً ان تمر بمراجعات وتنقيحات عدة، ومعظمها جاءنا في صيغه النثرية لو لم نعتمد أدب المساجلات بين مدح وهجاء كسلسلة جرير والفرزدق من ضمن أدب المراسلات. كذلك نجد الوهلية عنصراً حاكماً في الأدب المعاصر، فمنه ما جاء في صيغة بوست وكومنت على الـ”فايسبوك” مثلا أو الرسائل الهاتفية القصيرة أو محادثات الـ”بلاكبيري”، أما في خصوص الأدب المرسل بالبريد الإلكتروني فلا أتصور انه قد يساهم بالكثير في التطور النصي لأدب الرسالة.
ربما يكون غريباً ان الـ”فايسبوك” أهدى اليَّ حب حياتي. في احدى المرات وعلى جدار صديقة مشتركة جمعتني وعلي الدمشاوي (زوجي) نقطة جدال كانت آراؤنا فيها متشابهة، وكان ثمة تجاذب يعلو مع كل تعليق جديد في تلك المجادلة، تبعتها رسالة منه، يعبر فيها عن سعادته بتعرفه إليّ، وهكذا أصبحنا صديقين يقرأ أحدنا للآخر نصوصه التي تتشابه، برغم اننا من بلدين وثقافتين مختلفتين. أيامها كانت الحرب الإعلامية على أوجها بين مصر والجزائر، ومع هذا لم يكن هذا الأمر ليمنع حباً من ان يولد، ويتوّج بالزواج.
كاتب مجهول (لبنان)
مضى لي أكثر من سنة في علاقة غرامية، عبر التشات، مع امرأة لا أعرف صورتها، ولا هي تعرف صورتي. لم أكن في حاجة الى صورة لأحبّها، ولا هي كانت في حاجة الى صورة لتحبّني. لم نتلاقَ وجهاً لوجه. لا هي في حاجة الى ذلك، ولا أنا. هي طبيبة أطفال، وأنا كاتب. أعرف أنني أحبّها. وهي تعرف أنها تحبّني. سيتعجب القرّاء من هذه العلاقة الغريبة بعض الشي، بل الغريبة كلياً. إذ كيف لشخصين أن يكونا حبيبين من دون أن يحصل لقاء واقعي بينهما؟ أنا نفسي، هي نفسها، كلٌّ من جهته، يستغرب هذا الأمر. لكن الحب مستمر، وقوي، وغني، بيننا، وأحياناً مفجّر للكتابة الأدبية نفسها عندي. أعرف عمرها، وهي تعرف عمري. كلانا يعرف أني في الخامسة والأربعين، وأنها في الخامسة والثلاثين. لا كذب في هذا الشأن، كما لا أكاذيب في الشؤون الأخرى المتصلة بالمستوى الشخصي لكلٍّ منا. لا أشعر في الوقت الحاضر أني أريد أن أقيم معها علاقة حسية. هي من جهتها لا تشعر بالحاجة الى ذلك. أقلّه حتى لحظة كتابة هذه الكلمة. أما الحبّ فمتأجج، وهو – يا للغرابة – ليس عذرياً فحسب. للذين يريدون أن يعرفوا أكثر: عذريته مرحلية وموقتة. فقريباً قد نتفق على جعله حسياً. آنذاك، لكل حادث حديث.
عمر الشيخ (سوريا)
الغرام الافتراضي حالة نبيلة من التواصل الإنساني قبل كل شيء. هذا يتجلى بالوضوح في التعامل والخروج عن حالة الافتراض كحديث كتابي فقط بين طرفي العلاقة التي قد تتشكل لإعجاب بصورة أو بكتابات أو ربما بتعليق عابر على “ستاتوس” لصديق مشترك، كما حدث معي. منذ نحو سنتين كان الـ”فايسبوك” سبب علاقتي بامرأة مغربية. البداية كانت عادية، ثم تطورت، فأصبحت حالة هوس في التعاطي الغرامي. وبرغم الدفق الهائل من المحبة والاندماج الذي بدا واضحاً بيننا، شعرت ان ثمة ما ينقص هذا الحب! ولأن المسافة الشاسعة بين دمشق ومكناس، كانت تمتلئ بالشوق والألم، فإن العلاقة لم تستمر لأكثر من سنة، لم نتوقف خلالها عن حمد الـ”فايسبوك” على نعمة الحب المفاجئ، قبل ان نقتنع معاً انه لا يمكن ان نعيش حباً عذرياً بالرسائل والصور و”المسنجر كام” فقط! هذا الجوع الروحي الممزوج بالشهوة لا تستطيع الصور والكلمات ان تشفي لهيبه وشغفه. هكذا قررنا ان يبقى كل منا في عالمه لصعوبة السفر وتعقيده، الى ان نلتقي يوماً. هي تزوجت، وأنا بقيت وحدي آنذاك. باتت ترسل لي صور أولادها وتغفل صورها، كي لا أراها عبر الـ”فايسبوك” وعبر حياتي الواقعية.
رامي الأمين (لبنان)
لا تغيب عن بالي بدايات الـ”فايسبوك”. كنت أرسل الى صديقتي الحميمة، التي هي اليوم زوجتي، قصائد عبر بريده الداخلي (انبوكس). هذه القصائد رسمت مدخل علاقتنا، لكن العلاقة الكترونياً (ان جاز التعبير) تطورت عبر “المسنجر”، وليس عبر “فايسبوك”، باعتبار ان خدمة الدردشة لم تكن متوافرة في الموقع مع بداياته. لا أظن ان الـ”فايسبوك” مكان صالح لإقامة العلاقات العاطفية. لا أستطيع ان اتفاعل مع الآخرين حسياً عبره، ولا تغريني النساء من خلف الشاشة. لا “الفايسبوك” ولا المراسلات الالكترونية صنعا الحب بيني وبين زوجتي. فقد كان حباً من دون رسائل على غرار جبران ومي، ولا أحب ذلك النوع من الغرام الالكتروني الكاذب. جان جاك روسو يقول ان رسائل العشق هي ما نبدأ بكتابته من دون ان نعلم ماذا نريد ان نقول، وننتهي من دون ان نعلم ماذا قلنا. لذلك، لا أظنني قد فعلتها يوماً وكتبت رسالة غرامية، لا واقعياً، ولا “فايسبوكياً”.
فدوى القاسم (فلسطين)
يكمن سحر العالم الافتراضي في اننا نستطيع ان نفترض ما نريد. وفي عالم نفترض فيه ما نريد، يسهل الوقوع في الغرام. السر الأول هو وجود فراغات، في الزمان والمكان، فراغات نستطيع ان نحشوها، بين لقاء افتراضي وآخر، بالفانتازيا. في المقابل، يمكننا ان “نسرّب” للآخر فقط ما نريد له ان يعرف عنا. نتواصل ضمن أجواء معينة، وفي مزاج معين، قد نسمعه ما يريد ويسمعني ما أريد. السر الثاني هو البعد، فهو يسمح للمشاعر الرومنطيقية (الشوق، التوق، الرغبات المؤجلة)، ان تتكاثر لتعطي هذه العلاقة بعداً اضافياً يجعل التجربة تبدو أشد وأعمق.
يعتمد الأدب الإلكتروني، كما فن الرسالة، على الكلمات. والكلمات هي السر الثالث. حين نكتب رسالة، الكترونية أم ورقيّة، يمكننا الوقوف كثيراً في البحث عن مفردات نجدها جديرة بالتعبيرعما نريد قوله، فنعيد قراءتها في أوقات الفراغ العاطفي للحصول على النشوة.
لديّ أقرباء وصديقات، التقوا والتقين عبر مواقع التواصل على الإنترنت، ثم في الواقع الحقيقي، وقرورا الزواج. هل هو حب “حقيقي”؟ ينتقدهم كثر. ولكن هل يثبت الزواج، أي زواج، “حقيقة” الحب؟ هل يدوم هذا الحب؟ يأتي سؤال آخر. ان نشعر اننا وقعنا في الحب، هو ان نكون وقعنا في الحب فعلاً، أما القرار الصعب، فهو اللقاء على أرض الواقع. ولا شيء يقطع الشك باليقين كالقبلة.
منى وفيق (المغرب)
ليس المهم شكل ارسال الرسالة، بل مضمونها وطريقة كتاباتها. و”الكتابة أونلاين” كما أسمّيها، هي الأكثر جدّة وطراوة في عصرنا الحالي. نصوص الـ”فايسبوك” أحيانا تفتح عينيّ على ملاحظات دقيقة وآراء لقراء عاديين أو نموذجيين انطلاقاً من يقيني التام ان ما يهم هو محتوى الكتابة وجماليتها وما تضيفه على قارئ الكلمات وليس قشرتها أو الاطار الذي وضعت فيه. فالمهم المعنى وليس المبنى!
في النهاية هناك حتماً غرام وحب، احساس حقيقي جواني يُسمع ويُحَس، تالياً لا يمكن ان يكون افتراضيا أياً تكن بدايته أو نهايته. كانت لي تجربة في هذا الشأن أو لنقل ان بدايتها كانت عبر الـ”فايسبوك”، فتطورت واستمرت خارجه. بالنسبة اليّ هي مسألة كيمياء، وهذا لا علاقة له بما يسمى حباً في عالم افتراضي أو وقوعاً في غرام الكتروني، علماً ان المراسلات الالكترونية تجر الاتصالات الهاتفية ثم اللقاءات وغيرها من طرق الاتصال “الغرامي” على أرض الواقع.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى