الأزمة السورية: تسليع الألم/ يارا نحلة
“صور تعذيب سوريين تصدم النيويوركيين”، عنوان أقل ما يقال فيه إنه استفزازي. وهو يشير إلى معرض صور في نيويورك، موضوعه الحرب السورية. المعرض من جملة “الأعمال الفنية” الكثيرة التي تاجرت بالمحنة السورية، لإمتلاكها ميزة لا تكتمل من دونها الإبداعات الفنية، وهي “التراجيديا”.
صوّر الكثير من الفنانين السوريين معاناتهم غناءاً ورسماً وتمثيلاً، وهذا طبيعي ومشروع. لكن تحول هذه المعاناة إلى مادة بيد غيرهم يضيف معانيَ وتأثيرات مختلفة، أقل ما يقال فيها إنها استغلالية. وفي حين يعتقد البعض أنّ هذا النوع من الإضاءات على هذه القضية يحمل بعض الإفادة والدعم لها، الا ان لطريقة العرض رمزية ودلالة على مأزق هذه الأزمة وواقعها، اذ ان سوريا تعاني، والعالم يتفرج. كأن السوريين هم مجردّ صورة دامية على حائط يمرّ عليه عابرو سبيل في ازدحام نهارهم.
وما يزيد الأمر إستفزازاً هو كون المتفرج يتمتع بإمتيازات بعيدة المنال بالنسبة للضحية القابعة على الحائط، كونه مُستعمراً، وإن كان لا يدري. وكونه يجمع هذه الصور في أرشيف سيستعمله لتدعيم نظرياته الإستشراقية، المليئة بالثنائيات والصور النمطية المبسطة. وكون كل ذلك يمنحه فرصة النظر إلى الضحية بفوقية، مع كل التعاطف الذي يضمره. وليست “دهشة” أهالي نيويورك سوى دليل على إعتبار أنفسهم المعيار، وسائر الحالات الأخرى، غريبة ومغايرة. والحقيقة، أن “الرجل الأبيض” حين ينظر إلى مصائب ما تبقى من شعوب لم تكن محظوظة بقدره، يراها بعين الشفقة.
كما ان إنتظار هؤلاء أربع سنوات على بدء المحنة السورية لإبداء “الدهشة” من فظاعة المشاهد، يحتمل فرضيتين؛ الأولى هي فشل من أخذ هذه القضية على عاتقه في تمثيلها حقاً. والثانية هي لامبالاة المجتمع الدولي برمته، وهذه الأخيرة خير دليل على عدم جدوى أعمال فنية كهذه. وأخطر ما في الأمر هو أن يظن الفنان أنه يسدي خدمة للطفل اللاجئ حين يصوره حافي القدمين في أيام الشتاء القارس، في حين أن هذا الطفل هو من يسدي الخدمة للمصور، المتطفل على القضية، بمنحه فرصة لإستغلاله.
قد ينظر إلى هذا النوع من الإنتاجات الفنية على أنها تذكير بأن الأزمة السورية ما زالت قائمة. لكن قبل تبني هذه الفرضية يجدر بنا إلقاء نظرة على هوية جمهور هذه الإنتاجات الفنية. وهو في معظمه جمهور من المثقفين، المفترض أنهم على دراية بطبيعة الأوضاع السورية، وبالتالي ليس معرض الصور هذا حدثاً تنويرياً. والواقع أن المعارض الفنية ليست موجهة لعموم الشعب، وآلام الشعب السوري ستصل أصداؤها الى أقلية فحسب.
في أربع سنوات قامت المحاور السياسية والجمعيات “الخيرية” وتجار الأسلحة والدين والآثار والأيديولوجيات، على أنواعها، بتحويل الثورة السورية إلى بازار، وجاء دور تجار الفن لأخذ حصتهم من القسمة. هذه طبعاً ليست ظاهرة جديدة، فمنذ ظهور الثقافة الغرافيكية، توجهت الأنظار نحو نكبات الشعوب وتسارعت الكاميرات لإلتقاطها. وقد كانت للقارة الأفريقية تجربة واسعة مع هذه الحالة، مما دفع بفنانة إلى تعليم أطفال أفارقة تصوير فقرهم بأنفسهم وبيعها لمن يرغب بالمشاهدة، محوّلين معاناتهم إلى مصدر رزق وقاطعين الطريق أمام غيرهم لفعل ذلك.
إضافةً إلى ذلك، فإن إعطاء السوريين الحق الحصري بإستغلال معاناتهم، يعتقنا، أي المتفرجين، على الأقل من وجهة نظر “الرجل الأبيض”، المترسخة في كل شيء، وإن كانت دوافعه حسنة. والى حين “تلزيم” هذا الحق، تبقى صورة طفل يهرب من بندقية مصوبة نحوه ليجد كاميرا تتربص به في الناحية الثانية، هي الأكثر تعبيراً عن الموقف.
المدن