صفحات العالم

الأزمة السورية: خطة عمل


هنري جيه. باركي

يزداد الجدل حول ما يتعين عمله بشأن الأزمة المتفاقمة في سوريا، كما يبدو التوافق حول كيفية حلها أمراً أكثر صعوبة. ويدور هذا الجدل حول ما إذا كان يتعين تسليح المتمردين أم لا؟ فإدارة أوباما وبعض حلفائها يعارضون هذا الحل، رغم الأصوات النافذة في المجتمع الدولي التي هالها ما يحدث من مذابح يومية.

والمشكلة لا تكمن في مزايا تسليح المعارضة أو الاكتفاء بمساعدتها بطرق أخرى، وإنما في المقاربة التي يتبعها المجتمع الدولي. فالاكتفاء بصنع السياسة بأسلوب تراكمي، وفقاً لتطورات الأحداث على الأرض، سوف يقود العالم إلى طريق لن تحمد عقباه.

والسؤال الهام لا يتعلق بما يحدث هنا والآن، وإنما بالاتجاه الذي تمضي إليه سوريا في الأمد القصير. ورغم أننا قد لا نعرف الإجابة الدقيقة عن ذلك، فإن غاية ما يمكننا عمله هو أن نتوقع حدوث أسوأ السيناريوهات. والمهمة الشاقة التي تواجهنا هي صياغة سياسات مصممة وفقاً لما نستطيعه للحيلولة دون تبلور تلك المحصلات.

وهناك محصلتان هما الأرجح حدوثاً خلال الأشهر الستة القادمة: الأولى أن يضعف نظام الأسد بازدياد، ويواصل استخدام العنف لقمع التمرد. وعندما تتنقل قواته من مدينة لأخرى مواصلةً قتل المدنيين، فالمتوقع أن يموت عدة آلاف إضافيين من السوريين، وهو عدد مرشح للزيادة إذا ما تم تسليح المعارضة.

والمحصلة الثانية هي أن يكون نظام الأسد قد رحل بالفعل خلال الأشهر الستة القادمة، وحينها سوف تؤدي المرارات والاستقطابات الطائفية التي أحدثها إلى حمام دم، وذلك عندما يقوم المسلمون السنة بالانتقام من كل من وقف إلى جانب نظام الأسد. وفي حالة الفوضى العارمة التي ستنشأ عن ذلك، وغياب معارضة منظمة، فالمتوقع أن تكون الحرب الطائفية هي سيدة الموقف.

قد تكون هناك محصلات أخرى، منها مثلاً اندلاع نيران صراع إقليمي إذا ما اختار الأسد، بدافع اليأس، خوض صراع مع إسرائيل، بيد أن التحدي المطروح الآن هو أن يتم تصميم سياسات تمنع السيناريوهات الأكثر سوءاً من التحقق على أرض الوقع.

ما نعرفه حالياً على وجه اليقين، هو أن النظام السوري يعتقد أنه يحقق انتصاراً وهو ما لا يعطيه أي حافز بالتالي للدخول في مفاوضات. ومن المتوقع أن يتم استخدام مهمة الوساطة التي يقوم بها عنان لكسب مزيد من الوقت من قبل النظام السوري.

وباستثناء حدوث موجة هجرة ضخمة تقدر بمئات الآلاف من اللاجئين، يمكن للنظام الاعتماد على روسيا لإعاقة مجلس الأمن الدولي عن اتخاذ أي إجراء ذي معنى. أما المعارضة السورية فهي منقسمة وغير منظمة، وليس لديها سوى سيطرة محدودة على الجماعات المقاتلة.

ما نحتاج للقيام به هو أن نظهر لجميع الأطراف أنه سوف يكون هناك ثمن باهظ يتمثل في مقتل آلاف الأرواح السورية، وغير ذلك من تداعيات وخيمة ستترتب على عدم الامتثال للمطالب الدولية. وفيما يلي خمسة مقترحات يمكن تقديمها لـ”مجموعة أصدقاء سوريا”، والمكونة من عشرات الدول الساعية لإيجاد مخرج من الأزمة الدامية، وللمساعدة على تحقيق هذا الهدف في المدى المتوسط:

المقترح الأول: البدء في حملة إعلامية كثيفة في مختلف أنحاء العالم، ليس فقط لإبراز جرائم الأسد ومعاونيه، وإنما لعزل روسيا والصين والضغط عليهما، وذلك لاستمرارهما في تأييد الأسد.

الثاني: البدء في تعريف الأشخاص المتورطين في المذابح بالاسم، على أن يتم حصر قائمة الأسماء تلك في البداية على كبار المعاونين، لإعطاء الآخرين فرصة لإعادة تعديل خياراتهم، وإلا واجهوا عواقب وخيمة.

الثالث: البدء في الاستعداد لإجراء محاكمات للجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في المحكمة الجنائية الدولية.

الرابع: البدء في العمل من أجل تكوين قوات حفظ سلام عربية تركية عريضة القاعدة للتدخل في حال ما إذا ما اندلعت حرب أهلية عقب سقوط النظام، أو لخلق ملاذات آمنة لحماية المدنيين.

الخامس: إعطاء المعارضة حوافز على التوقف عن المنازعات الداخلية، ولكي تضم المزيد من الشرائح والمكونات الأخرى إليها، أي تصبح أكثر إدماجية وتعمل على حل الخلافات من خلال إتاحة الفرصة لأطرافها المختلفة.

هذه المقترحات قد تنجح وقد لا تنجح، لكن ما أود التأكيد عليه هو أن المجتمع الدولي بحاجة لخطة عمل يسير عليها. أما صنع السياسات بشكل عشوائي وارتجالي ووفقاً لتطورات الموقف وبطريقة تراكمية، فلن يوصلنا لشيء.

هنري باركي

ستاذ العلاقات الدولية في جامعة ليهاي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة “إم. سي. تي. إنترناشيونال”

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى