صفحات العالم

الأزمة السورية والأوهام بشأن الحسم


غازي دحمان

بإصراره على إتباع النهج الأمني لإخماد نار الثورة، يكون النظام السوري قد حسم وبشكل نهائي إمكانية إيجاد حل سياسي للأزمة التي يرزح تحت وطأتها منذ ما يقرب العام، وبهذا يقدم النظام على تجفيف كل منابع الحلول السياسية وضرب مواردها، ما جاء منها عبر مبادرات تقودها قوى وطنية عقلانية ومدنية، او تلك المقدمة من قوى إقليمية ودولية بما فيها تلك الحليفة للنظام.

ثمة رأي يتم تداوله من قبل خبراء الشأن السوري، وتحديداً من قبل أولئك العارفين بتوازنات الحكم وطبيعة تركيبة النظام، ويرون أن الأزمة، ورغم مأزقية اللحظة التي تعبرها، في طريقها إلى إنتاج حل سياسي، على أن يكون شرطه ومبناه إعادة تعريف دور ومكانة الرئيس الأسد بوصفه ضابطاً للصراع “بين أطراف” وقائداً للمرحلة المقبلة، وهذا الخيار يحمل في طياته توجيهاً إستخباراتياً روسياً كمخرج للأزمة الحالية…كيف؟.

ينطلق أصحاب هذا التقدير من حقيقة أن السلطة في سوريا قائمة على مبدأ الشراكة بين منظومتي العسكر (بشقيه الجيش بوحداته الإستراتيجية والأمن) والمنظومة السياسية على رأسها الرئيس بشار الأسد، وهذه التركيبة وإن كانت حدود الإنقسام والتمييز بينها غير واضحة وملتبسة، إلا أن ذلك لا ينفي وجود مندرجات لها على الأرض، وتتجسد، أقله، في الإتفاق الضمني على حدود الأدوار والتحركات، التي يحق لكل طرف القيام بها لحماية وضمان إستمرار هيمنة المنظومة العامة، وضمان سير عملها بما يخدم مصلحة النظام، والتي هي في حقيقتها مجموع المصالح المتقاطعة للأطراف المذكورة، وبالتالي فإن إدارة هذه المصالح يتطلب تنسيقاً دقيقاً ومراعاة محسوبة لآلية عمل هذه المنظومة خوفاً من حدوث أي خلل من شأنه التأثير على عملها، تماماً كما حصل مع الرئيس حافظ الأسد في بداية الثمانينيات عندما نشب الصراع بين جزء من مكونات منظومته الأمنية والعسكرية كادت أن تودي بالحكم لولا قيام الأسد الأب بإجراء عملية جراحية إسعافية أخرج بنتيجتها شقيقه رفعت من المنظومة.

تخريجات الأزمة، في عهد الرئيس الابن، تقوم على عملية إستباقية مؤداها أن يعطى للجيش فرصة للحسم العسكري في إطار ضوابط محدودة وصلاحيات واسعة، وبنتيجتها، إن إستطاع الجسم العسكري للنظام إنجاز المهمة فيكون النظام قد حصل على النتيجة المرجوة وضمن لنفسه الحفاظ على الإنسجام والتوافق في الأداء والمصالح، وإن لم يستطع، يصبح الجيش ومن ورائه الأجهزة الأمنية خارج معادلة الحسم، والأهم يصبح خاضعاً لإرادة المنظومة السياسية وقرارها، لكنه ووفق هذه الرؤية يكون الجسم العسكري نفسه قد تحمل الجزء الأكبر من المسؤولية، وبنفس الوقت يكون قد أنهك المعارضة، وإن لم يخضعها، وجعلها أقرب إلى قبول الحل السياسي تحت سقف النظام، وكل ذلك في ظل التغطية الروسية للنظام.

إلى أي مدى يمكن تطبيق هذه النظرية على الأرض؟. ثمة مؤشرات عدة من واقع الحدث تؤكد أن الحالة السورية لم تعد قابلة للمقاربة وفق إستراتيجية واحدة لطرف بعينه، ذلك أن الأزمة، وعبر عمرها المديد الذي يمتد لعام، أوجدت على هامشها أطرافا كثيرة باتت تمتلك فاعلية وأدوارا مهمة ومؤثرة، وأن مسألة تحكم النظام بتفاعلات الأزمة باتت قضية نسبية، فالنظام وإن كان يملك كثافة نيران قوية في دكه للمدن والأرياف، فإنه وبنفس المنطق لا يملك القدرة على حماية أجهزته وعناصره من الإستهداف، كذلك فإن النظام وبقدر ما لديه من قدرة على إدامة الصراع، فإنه لا يملك خيارات مهمة للخروج الآمن من الازمة طالما هو يستمر في مقاربتها بسفك المزيد من الدماء.

ولعل ما يزيد من تعقيد الأزمة السورية وينذر بتحولها إلى حالة إستنزاف عنيف ومديد، دخولها على خط الصراعات الإقليمية والدولية وتحولها إلى حالة مغرية للتجاذب والإستقطاب، في ظل بيئة إقليمية ودولية متوترة تحتاج لساحات للعراك والتكاسر علّ ذلك يساهم في تخفيف حدة تصادمها المباشر.

كل طرق الأزمة السورية، وإلى حين، تبدو مغلقة بإتجاه الحل السياسي، ولا يبدو أن للسياسة مكانا فيها في ظل إنشغال الأطراف كافة بتجهيز معدات وحاجيات السفر على طريق الأزمة السورية الموحش.

ـ دمشق

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى