صفحات العالم

الأسد المتأهب في مواجهة من؟/ مؤنس حامد

 

يتأهب الأسد الأميركي-الأردني لإجراء مناورات، أصبحت دورية جنوب الحدود السورية. وفي النسخة الرابعة لهذا “الأسد المتأهب” المقررة من 25 أيار/مايو إلى 10 حزيران/يونيو 2014، ينفتح المشهد الإقليمي، وربما المشهد السوري على نحو أكثر خصوصية، أمام رسائل متنوعة في محتواها واتجاهاتها.

وفي العناوين العريضة لأهداف هذه المناورات، وبحسب التصريح الأردني “مكافحة الإرهاب والتمرد، وفرض النظام وعمليات الإخلاء والعمليات النفسية والاتصالات الإستراتيجية والتخطيط للعمليات المستقبلية، وعمليات البحث والإنقاذ والعمليات المدنية العسكرية، وحماية المنشآت الحيوية ومكافحة الإرهاب الالكتروني، وتنفيذ عمليات الإسناد اللوجستي المشترك”.

النواة الكبرى للحشد الدولي هي القوات الأميركية والأردنية، مع وجود رمزي لبقية الشركاء، مما يعتبر موقفاً سياسياً داعماً أكثر منه تواجداً عسكرياً فعلياً. لكن هذا التزايد المضطرد في عدد الحلفاء -يشارك في المناورات 24 دولة، بقوام 13 ألف جندي- يعيد إلى الذاكرة حلف عاصفة الصحراء، التي لا يزال صداها ورمالها في فم العراقيين حتى الآن. لكنه من ناحية أخرى، يشير إلى تنامي الاهتمام الدولي بالشأن السوري، باعتبار سوريا الحاضن الأكبر عالمياً للقوى الجهادية السلفية. والتي من المتوقع أن تشكل خطراً كبيراً على الأمن والسلم الدوليين كما ترى واشنطن، وكما تدل عليه برامج التدريب خلال هذه المناورات وأهدافها.

وَضع الإعلان العسكري الأردني، مكافحة الإرهاب على رأس أهداف هذه المناورات، إلى جانب الإعلان عن تدريبات على الحرب غير التقليدية. ولعل التسريبات التي رشحت عن مناورات الأسد المتأهب 2013 تستعاد مجدداً في ما يخص عمليات خاصة داخل الأراضي السورية للسيطرة على نقاط تواجد أسلحة غير تقليدية خوفاً من وقوعها في يد الجماعات الإسلامية المتشددة. وهي إشارة إلى ما بقي من المخزون الكيماوي للأسد، إضافة إلى مقرات الأسلحة البيولوجية المسكوت عنها حتى الآن، والتي من المتوقع أن تكون موضوع الخط الأحمر الأميركي الجديد في وجه نظام دمشق.

كذلك فإن الرسالة تتضمن الرغبة بتقليم أظافر الأسد وتهذيب سلوكه، بحيث يجلس إلى طاولة سياسية لحل الوضع السوري كأسد مطيع، وليس على الصورة التي ظهر بها في جنيف 2. وفي مقابل تلك الرسالة يقوم النظام السوري بنقل أرتال تعزيزات إضافية إلى جبهة “إزرع”، والتي تختزل جهده العسكري الرئيسي في محافظة درعا. وذلك في خطوة استباقية لمحاولات تقدم الجيش الحر بالتزامن مع المناورات. علماً أن النطاق العسكري الممتد من القنيطرة إلى درعا يعتبر خاصرة رخوة للنظام، والأرجح أن يكون مركز أية إستراتيجية جديدة للعمل على إسقاطه في دمشق.

لكن الجانب الآخر من هذه الرسائل بعيدة المدى، يصل إلى طهران، ومؤداه أن حدود الأصدقاء في مجلس التعاون الخليجي، والتي تمثلها الحدود الشمالية للأردن هي نهاية المطاف بالنسبة لتوسيع مناطق نفوذها. وفي نفس الوقت طمأنة دول الخليج العربي وخصوصاً الأردن، عبر الالتزام الأميركي بأمن المنطقة. ونفي لما يتردد عن انكفاء القوة العظمى عن شؤون الشرق الأوسط. مع التأكيد مجدداً لجميع لاعبي الإقليم بأن الولايات المتحدة لم تغادر الملعب بعد. لاسيما أنها تركت جزءاً من طائرات أف 16 ووحدات صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ في الأردن إبان مناورات 2013، ومن المتوقع أن تزيد من حجم قواتها مجدداً في أعقاب المناورات الحالية.

ورغم النفي المتكرر لمشاركة إسرائيل في هذه المناورات من قبل الجانب الأردني، إلا أنها تبدو حاضرة بقوة من خلال أهداف التدريبات المشتركة المزمعة. فالمناطق المحاذية للحدود في الجولان، وكذلك المحاذية للحدود الأردنية السورية، تعد المركز الرئيس لتواجد جبهة النصرة (جناح القاعدة المعلن في بلاد الشام) وهو ما تعتبره إسرائيل خطراً غير قابل للاحتواء. مع ما صدر عن أحد أمراء جبهة النصرة في القنيطرة من أن “الصليبيين واليهود أصبحوا هدفاً لمقاتليه”، كما يذكر إيهود يعري أحد باحثي معهد واشنطن. وهو خطر ماثل بعد الإعلان عن تزايد أعداد الجماعات السلفية الجهادية في الأردن، بالتزامن مع سيطرة القيادات السلفية الأردنية على تنظيم النصرة في جنوب سوريا، درعا والقنيطرة، من خلال الأمير أبو جليبيب الأردني.

وكانت إسرائيل قد أعلنت منطقة الحدود السورية والجولان عامة، منطقة عسكرية مغلقة في 11 أيار/مايو، بالتزامن مع بدء مناورات الأسد المتأهب، كخطوة إضافية بعد نشر فرقة عسكرية إقليمية في هذه المنطقة، لتصبح حزاماً عازلاً داخلياً.

لكن في المقابل، صنعت إسرائيل حزاماً عازلاً في منطقة الجولان السورية عبر شبكة علاقات تربطها ببعض قيادات الجيش الحر. وقدمت مساعدات طبية إسعافية لأكثر من 800 عنصر. ذلك بالإضافة إلى احتمالات غير واضحة بعد في ما إذا كانت ستعزز هذا الحزام بتواجد عسكري فعلي. ولاسيما أنها تدخلت بشكل مباشر في 22 آذار/مارس، عبر غارة جوية على التلول الحمر الإستراتيجية في القطاع الأوسط على جبهة القنيطرة، ضد وحدة لقوات النظام من ملاك اللواء 90 الحدودي. وهي معنية أمنياً هذه الأيام أيضاً مع تزايد حرارة جبهة مدينة القنيطرة، ومع عمليات التمهيد لدخولها من قبل الجيش الحر.

العملية أشبه بضغط عسكري ناعم متحكم به على نظام الأسد. والأغلب أن أحد دوافعها الرغبة بتفجير مسرحية الانتخابات الرئاسية السورية المزمعة بداية حزيران/يونيو 2014. وكذلك تندرج في إطار سياسة احتواء الآثار المترتبة عن الوضع السوري أمنياً وإنسانياً. حيث لا يزال العمل في مواجهة نظام الأسد في طور البحث عن إستراتيجية، ولم تتبلور بعد أية خطة عملانية تقول عكس ذلك. ولا يزال احتمال نزع أنياب الأسد وإعادة استخدامه مجدداً هو الأكثر حضوراً. لتصبح المعادلة بصورتها المرجوّة، الأسد المتأهب في مواجهة أسد يأكل الحشائش فقط.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى