الأسد في “كوما سياسية”!
د.محمد ابو رمان
قدّم صالح اعتذاراً بشعاً للشعب اليمني بعد 33 عاماً من الحكم، طالباً منهم العفو، وهو ما لن يجده بالتأكيد، فلقد عاند كثيراً وتآمر مع الرئيس السوري والليبي المقتول (القذافي) لإيقاف الموجة الثانية من الثورة الديمقراطية العربية، وقد جاء دوره بعد القذافي، وبالتأكيد فإنّ الأسد سيكون التالي بعد أشهر قليلة، لتنتهي بذلك الوجبة الثانية من الثورة العربية، بانتظار البقية..
في الساعات نفسها التي كان فيها صالح يقدم اعتذاره ويستأذن بالانصراف، كان الاجتماع الوزاري العربي يستدرج المقاربة اليمنية للمعادلة السورية، فيقدم حلولاً نحو تنحي الأسد وتفويض صلاحياته لنائبه ليقود المرحلة الانتقالية، وتنفيذ المبادرة العربية، وهو مخرج دولي وإقليمي لتعثّر الحصول من مجلس الأمن على “موافقة” بمناطق حظر جوي.
وقد أصاب الزميل عريب الرنتاوي بمقالته بالأمس عندما أجاب على سؤال إذا أردت أن تعرف ماذا يحدث في سورية؟ بالقول: عليك أن تعرف ماذا يجري في سورية، وليس في مكان آخر، وهو دلالة على أهمية الثورة الداخلية في ترسيم مستقبل البلاد وتحديد مصيرها.
خلال الأيام الماضية، حدثت تطورات مهمة وكبيرة على الأرض في الزبداني ودوما ومناطق أخرى، إذ بدأ الجيش السوري الحرّ يكتسب أرضاً وقوة وحضوراً، فيما تتوالى حلقات انهيار السلطة وتضعضعها تحت وطأة الخوف والتفكك الداخلي من جهة، والتأثيرات الكبيرة للأزمة الاقتصادية من جهة أخرى، وقبل هذا وذاك “صلابة الجبال” التي أبداها الشعب السوري، في حمص ودرعا والمحافظات السورية الأخرى.
الثورة السورية دخلت في منعطف جديد، وعلى خلاف أغلب التقديرات السياسية التي تذهب إلى القول ببقاء الأسد، برسم تردد الأجندة الدولية في التدخل العسكري أو صلابة الأجهزة الأمنية، فإنّ العامل الحاسم هذه المرّة يكمن في الثورة الشعبية الداخلية بدرجة أولى.
الشهادات المنقولة عمن يقابلون الأسد خلال الفترة الأخيرة تؤكد أنّه قد فقد الاتصال مع الواقع، ودخل في “كوما سياسية”، تحت تأثيرات متضاربة من العائلة والطائفة والأجهزة الأمنية.
في الأثناء تبدو الرؤوس الخبيرة والمحنّكة في النظام في حالة من “العزلة السياسية” والحرد، فاروق الشرع غاضب من التجاهل الذي تم له بعد أن عُهدت إليه رئاسة لجنة الحوار، ثم بدأ يتلقى الهجوم من الأجهزة الأمنية نفسها عبر وسطائها السياسيين والإعلاميين، فيما وليد المعلّم شعر بالإهانة الشديدة بعد أن قدّم شريطاً مصوراً على أحداث في سوريا، تبين لاحقاً بالوجه القطعي أنّها وقعت في لبنان وعلى خلفية مختلفة تماماً!
السيناريوهات غير محسومة لليوم التالي لرحيل الأسد، إلاّ أنّ التدخل الرسمي العربي اليوم وتسهيل عملية تسليم السلطة والوصول إلى صفقة داخلية والالتزام بمبدأ “العدالة الانتقالية” بدلاً من الحرب الأهلية وتصفية الحسابات بمثابة السيناريو الأفضل والضمانة الكبرى لحماية الشعب السورية من الانزلاق إلى السيناريوهات السوداء.
“الأسد لن يبقى معنا في العام 2012″. ذلك يعني أنّنا يجب أن الوجبة الثانية انتهت بعسر وبولادة صعبة ومؤلمة، بعد أن عبرت الموجة الأولى (تونس ومصر) بدرجة أكثر سهولة ويسر، ويفتح السؤال حالياً على الدول المرشّحة للموجة الثالثة..
فرضيات توقف الثورة الديمقراطية العربية والرجوع خطوات إلى وراء هي فرضيات فاشلة وغير مجدية، وعلى الدول العربية الأخرى أن تعدّ العدة للتعامل مع “تسونامي التغيير”، وكلما كان العبور إلى الديمقراطية أكثر سلاسة وأقل دموية وأقصر من حيث الوقت كلما كان ذلك أفضل للبلاد والحكام والمحكومين، أمّا المماطلة والتحايل والالتفاف أو الرهان على توقف الدومينو فهو رهان خاسر تماماً!
الغد