صفحات العالم

الحرب الأهلية آخر أوراق النظام السوري


غازي دحمان *

ليس في حساب التيار المؤثر في النظام السوري، ولا في نيته، تطبيق خطة المبعوث الدولي والعربي كوفي أنان، حيث يضمر هذا التيار، من خلال سلوكه الانتظاري وإتباعه إستراتيجية ترحيل المشاكل، رهاناً جلياً على متغيرات تقدر أوساطه أوان حدوثها، وان من شأنها التأثير في بنية الحدث الداخلية وبيئته الخارجية.

وربما لا يحتاج الأمر كثيراً لإدراك حقيقة أن موافقة النظام على الإنخراط في العملية الأممية هي ذات طابع تكتيكي، على أهمية الضغوط التي تمارسها بعض الدول الغربية في هذا المجال، ذلك أن الهامش الزمني الذي تتيحه هذه العملية، والذي يمتد لأكثر من ثلاثة أشهر، يشكل في اعتقاد أركان مطبخ الأزمة «مواجهة الثورة» فرصة كافية لهضم البيئة الدولية للمتغيرات الآتية وإدراجها بوصفها حيثيات أمر واقع في سياق الحدث السوري (الانتخابات الفرنسية والأميركية وما ترتبه من انشغالات داخلية للإدارتين)، وبالتزامن مع ذلك تجري إعادة هندسة مسرح الحدث الداخلي عبر مزيد من القتل والاعتقال لناشطي الثورة ومحركيها، واستمرار عمل آلة التهجير، بخاصة أن تجربة تهجير سكان حمص تشير إلى نجاح أولي في إخراج هذه المدينة الثائرة من خانة قوى الثورة، وكل ذلك بحسب تقديرات أركان النظام.

واستتباعاً لذلك، تبين الوقائع التالية أن موافقة النظام على الدخول في العملية الأممية تمت بناءً على تقدير روسي للموقف الدولي من الحالة السورية، وبخاصة عبر حراك ما يسمى بأصدقاء سورية والذي بدا لصانع القرار في الكرملين أن سياق العمل فيه يأخذ طابعاً جدياً وفاعلاً، وبخاصة بعد مؤتمر إسطنبول والتوجه للبحث عن خيارات بديلة للتعامل مع الأزمة، وكذلك قيامه بتشكيل آليات للعمل، كمجموعة متابعة الأزمة المكونة من أربعة عشر بلداً مؤثراً، وقد كان لتحرك هذه المجموعة صدى في الكرملين أكثر منه في دمشق.

من الواضح أن الإستراتيجية الروسية هنا تقوم على قاعدة تبريد مواقف هذه الدول وتخفيف درجة الحماسة لديها، وصولاً إلى مرحلة يتفكك فيها هذا التحالف القائم على واقع الأزمة الإنسانية الضاغطة في سورية من غير أن يتضمن أي بعد إستراتيجي، كما تسعى موسكو إلى إدخال العالم في جدال يبدأ من وجود إرهاب منظم في سورية تقوده «العصابات المسلحة» وهي قضية تستوجب من السلطة صاحبة السيادة مواجهته، وقد نجحت روسيا بالفعل في توزيع المسؤولية بين طرفي الأزمة، وعملت على توضيح طرف ثان وإيجاده عنوة وقد قبل العالم بهذا التوزيع وأقره، في حين أن الطرف الثاني ليس سوى الشعب مقابل السلطة، حتى وإن انطوى على مكون عسكري هو في حقيقته صدى للحراك الشعبي وليس حالة منفصلة وخاصة.

ولعل الأمر الموكل للنظام فعله ضمن الإستراتيجية الروسية، وفي إطار الهامش الزمني الذي تتيحه خطة أنان، العمل على وقف حركة الاحتجاجات عبر رفع وتيرة أعمال الاعتقال والقتل المكثف للناشطين، وكذلك وقف حركة الانشقاقات داخل الجيش النظامي والتي باتت خطورتها تكمن في عدم معرفة النظام لإمكانية تطورها والأشكال التي من الممكن أن تتبدى بها.

وبناءً على ما سبق، ليس في حسابات النظام تطبيق مبادرة أنان أوالتعامل مع البند المخفي فيها وهو الانتقال السلمي للسلطة، حيث يعتقد النظام أن التسويات الدولية قد تجاوزت هذه القضية، في حين أن الأمر في إدراك الشارع السوري وتصميمه أصبح غير قابل للتسوية ولا حتى على الطريقة اليمنية، فهذه الإمكانية خرجت من حقل التسويات والممكنات بعد كل هذا الدم والدمار الذي وقع في سورية. وعلى ضوء ذلك، فإن خيارات النظام باتت تنحصر إما في إسكات الثورة وبالتالي البحث مستقبلاً عن سبل لإعادة تأهيل النظام دولياً وإقليمياً، وإما إدخال البلاد في حرب أهلية يتم فيها تجهيل الفاعل والمسؤول عن كل ما سبق من آثام عبر إحالتها إلى الحرب الأهلية التي يشترك في مسؤوليتها كل الأطراف.

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى