الأسطول الروسي العظيم في طريقه إلى سورية/ ماثيو بودنير
ربما على خطى الرئيس الأميركي، ثيودور روزفلت الدعائية، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، المعروف باهتمامه الخاص بالتاريخ، بأكبر عملية نشر قوات بحرية روسية منذ نهاية الحرب الباردة: ثماني سفن، بينها اثنتان من السفن الحربية الأبرز في روسيا، في طريقها إلى سورية. وهي تبحر ببطء قبالة سواحل دول الناتو. ولكن عندما دخلت المجموعة، التي تقودها حاملة الطائرات الأميرال كوزنيتسوف، القناة البريطانية، لم تثر الترقب والحذر، على خلاف المناورات العسكرية الروسية في العامين الماضيين. فالصورة الدراماتيكية لحاملة الطائرات وهي تنفث دخاناً أسود، على خلاف حاملات الطائرات الحديثة، كانت دافعاً لسخرية قاسية لا ترحم. ويبدو أن عرض العضلات العسكرية أخفق.
ولكن السخرية التي وجهت الى كوزنيتسوف في الصحافة العالمية لم تكن في محلها. فالسفينة هذه تبحر مع بعض أكثر السفن الحربية الروسية الضاربة. ووصولها الى سواحل سورية يعزز القوة الرئيسية الضاربة للكرملين في المنطقة. وتقوم البحرية الروسية في هذه الرحلة بتقييم قدرات كوزنيتسوف، وتدريب طاقمها في حالات القتال.
وفي وقت يسعى الكرملين إلى إظهار القدرات القتالية لحاملة كوزنيتسوف، لا يخفى أن وراء نشرها دواعيَ داخلية، إلى حدّ كبير. فالسفينة لم تحارب في السابق. وسورية هي اليوم ميدان لاختبار القدرات العسكرية الروسية. ويقول مصدر في وزارة الدفاع الروسية أن القاعدة الجوية الروسية في سورية تنفي الحاجة الى حاملة الطائرات هذه. وحاملة كوزنيتسوف هي عبء مالي منذ دخولها الخدمة في 1990. وعلى رغم محاولات كثيرة للحفاظ على القدرة التشغيلية للسفينة، قضت معظم «عمرها» راسية في الميناء. وينتظر خضوعها لعملية إصلاح بعد رحلة سورية التي يفترض أن تنتهي في وقت مبكر من العام المقبل، في وقت لم يسبق لكوزنيتسوف إمضاء أكثر من ستة أشهر في عرض البحر. وحين تغادر الميناء، فهي تبقى تحت حراسة سفينة القاطرة «نيكولاي شيكر».
ويرى صقور البحرية الروسية والسياسيين أن كوزنيتسوف عنصر بارز في سعي موسكو الى انتزاع اعتراف دولي بها قوةً عظمى. وكانوا، في العامين الماضيين، يضغطون من أجل بناء حاملة طائرات جديدة لمنافسة التصاميم الأميركية. ولكنّ آخرين في الجيش الروسي لا يرون أي دور لحاملات الطائرات في البحرية الروسية. فهذه الحاملات معدة للدفاع الوطني، وليس لاستعراض القوة في الخارج. ويقول خبير مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات («كاست»)، وهو ضابط بحري متقاعد، مكسيم شيبوفالينكو، أن «حاملات الطائرات هي هدر لأموال البحرية الروسية». فهي تتطلب بناء مجموعة قتالية كبيرة لمرافقتها في وجهات بعيدة. ويمكن لروسيا أن تكتفي بالمطارات البرية. وعلى البحرية الروسية في مرحلة الأزمة الاقتصادية أن تطور قدراتها التنافــسية: أي الغواصات النووية. والجزء الأكبر من موازنة التحديث العسكرية 20 تريليون روبل (350 بليون دولار) مخصص لتطوير الغواصات هذه. ولكن أداء حاملة كوزنيتسوف في سورية قد يرجح كفة تمويل حاملات الطائرات. وتروج روسيا لصناعتها الدفاعية. فهي باعت الصين شقيقة حاملة كوزنيتسوف، وأصلحت حاملة طائرات سوفياتية قديمة أخرى وباعتها للبحرية الهندية. كما تأمل ببيع طائرات «سوخوي» و «ميغ» مجهزة للخدمة على هذه الأنواع من السفن إلى الهند.
سلاح كبير في حرب صغيرة
وأثار توقيت إرسال حاملة كوزنيتسوف دوائر الدفاع في الغرب. وتدور التكهنات على أن السفينة في طريقها الى تدمير ما تبقى من المعارضة السورية. ومدة وقف إطلاق النار القصيرة للسماح للمدنيين بالهروب من معقل المعارضة المحاصرة في حلب لم تكن كافية لتغيير ديناميكية الحرب هناك. ونظراً لمحدودية قدرات كوزنيتسوف، فمن العسير القول أن إرسالها مرتبط بحلب فحسب، في وقت إن طائرات «ميغ» و «سوخوي» الملحقة بالحاملة هذه أقل فاعلية من تلك التي تقاتل في سورية. وطائرات السفينة غير قادرة على شن هجمات وهي مزودة بحمولة كاملة من الوقود والسلاح. وتعاني روسيا نقصاً في الطيارين القادرين على القيام بالرحلات من على متن الحاملات. وأداؤهم في سورية هو سؤال مفتوح.
ومصدر قوة المجموعة القتالية في كوزنيتسوف ليس الحاملة نفسها بل في الطراد الحربي بطرس الأكبر الذي يرافقها. وهذا الطراد محمل بالصواريخ الموجهة المضادة للسفن، ومدافع يوجهها الرادار، وهو مصمم لتدمير السفن الأميركية في حرب بحرية شاملة. ولا شك في أنها سفينة خطيرة جداً وقادرة على إنزال أضرار كبيرة، ولكنها لا تجدي نفعاً في استهداف أهداف برّية في سورية. ويقول مارك غاليوتي، خبير في الشؤون العسكرية الروسية، «قد يطلق بطرس الأكبر بعض صواريخ كروز على سورية، ولكنها وسيلة مكلفة للغاية لجلب البؤس إلى بضعة أكواخ أو بضعة بيوت متداعية. ولكن إرسال تلك السفينة رمزي ويرمي الى إبلاغ الحلف الأطلسي بأنّه لا ينبغي أن يكون واثقاً للغاية حول قدراته على السيطرة على البحر الأبيض المتوسط». ويتزامن نشر السفينة كذلك مع استئناف الكلام في واشنطن عن حلول عسكرية للحرب الأهلية في سورية. وعليه، فبطرس الأكبر هو رادع للمجموعات القتالية الأميركية التي قد تشارك في نشاط عدواني ضد الأسد. ويدور حوار بسيط بين روسيا والولايات المتحدة. وقبل أسبوعين، اقترح وزير الخارجية الأميركي جون كيري ملاحقة روسيا أمام القضاء الدولي بتهمة ارتكاب جرائم حرب في سورية. وفي 24 تشرين الأول (أكتوبر) المنصرم، وبعد رفض المتمردين في حلب وقف إطلاق النار الموسع، قال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أنّ موسكو ترى أن وقف إطلاق النار غير مجد. لذا، حين تصل مجموعة حاملة كوزنيتسوف القتالية إلى سورية في الأسبوعين المقبلين تقريباً، ستزيد زيادة هائلة القوة العسكرية الروسية في وضع يزداد صعوبة وتقلباً في سورية. وقد تسنح أمام بوتين فرصة نيل إعجاب العالم من خلال «أسطوله الأبيض العظيم».
* صحافي أميركي مقيم في روسيا، عن «موسكو تايمز» الروسي، 26/10/2016، إعداد علي شرف الدين
الحياة