الأكراد يتأرجحون بين سوريتهم وكيان يخصهم!
فايز سارة
يميل أغلب السوريين الأكراد إلى تأكيد الانتماء إلى سوريا، وهو أمر لا يحتاج إلى إثبات في سلوكهم العام وحياتهم اليومية في مختلف المدن والقرى، حيث يتعاملون مع تلك المدن والقرى ومع المقيمين فيها على نحو ما يتعامل بقية السوريين. وتتضمن برامج وأدبيات الجماعات السياسية الكردية السورية، تأكيدات الانتماء إلى سوريا شعبا وكيانا، وهو ما تتضمنه صراحة مواقف وتصريحات معظم قادة وكوادر الجماعات السياسية الكردية إن لم نقل كلهم، والخلاصة في المستويين الشعبي والسياسي، أن الأكراد جزء من المكون السوري، كغيرهم من الخلفيات القومية الأخرى من العرب والآشوريين والشركس والأرمن والتركمان الذين ارتبطوا معا، ونظروا إلى سوريا باعتبارها وطنا لهم يتشاركون مواطنتها مع الآخرين.
غير أن النسق الاندماجي للأكراد السوريين، يعاني من اختلاطات سياسية وعملية في معظم الأحيان، لعل الأبرز فيها سعي الأكراد إلى تخصيص أنفسهم سياسيا بالمطالبة بكيان فيدرالي، كما يخصون أنفسهم بضرورة الاعتراف الدستوري بهم باعتبارهم «قومية ثانية» في البلاد، إضافة إلى مساعيهم المستمرة إلى إقامة تكتل سياسي قومي، يبدأ في وحداته الصغيرة من إقامة أحزاب محصورة عضويتها على الأكراد، ثم تتصاعد إلى إقامة ائتلافات أو تحالفات لجماعات كردية وصولا إلى تحالف واحد على نحو ما يمكن النظر إلى «اتفاقية هوليير» 2012 التي تم توقيعها برعاية مسعود برزاني رئيس كردستان العراق بين المجلس الوطني الكردي السوري وحزب الاتحاد الديمقراطي PAD من أجل سياسة وممارسة عملية واحدة للأكراد في سوريا.
والخصوصية السياسية عند الأكراد السوريين تجد لها ما يدعمها في سلوكيات التوازي الكردي مع ما هو قائم ويقوم من هياكل سياسية واجتماعية ومدنية في البلاد، وهو سلوك تعزز على نحو واسع في سنوات العقد الماضي، وعلى سبيل المثال، فإن إقامة المجلس الوطني السوري كانت حافزا للجماعات الكردية في تأسيس المجلس الوطني الكردي على نحو عاجل، بل إن ذلك تم على أرضية انسحاب الأحزاب الكردية من عضوية تحالفي المعارضة السورية الرئيسيين آنذاك وهما إعلان دمشق وهيئة التنسيق، وانضمامها إلى المجلس الوطني الكردي، وقبل ذلك بسنوات طويلة، كان حقوقيون أكراد شكلوا منظمات حقوقية كردية في سوريا، فيما شكل مثقفون هيئات ثقافية كردية، ومنذ اندلاع الثورة السورية سعى أكراد إلى تأسيس تنسيقيات وتحالفات ثورية ومنابر إعلامية، اقتصرت في عضويتها على الأكراد، وتخصصت بالمناطق الكردية أو ذات الأغلبية الكردية، وقد زاد على ذلك قيام حزب الاتحاد الديمقراطي PAD الرديف السوري لحزب العمال الكردستاني p.k.k بتشكيل ميليشيا شبه مسلحة، هدفت إلى عزل المناطق الكردية وحمايتها كما قيل، وكان من آخر التكوينات التي تم تأسيسها على هامش الثورة المجلس العسكري الكردي المشترك في سوريا مباشرة بعد تأسيس المجلس العسكري السوري بداية ديسمبر (كانون الأول) الحالي.
وان كان لما سبق من دلالة، فهو يشير إلى سعى الأكراد السوريين إلى تأكيد وجودهم وحضورهم المميز والخاص في الحياة السورية وهذا حق أساسي لا يمكن النقاش فيه، وليس من حق أحد ممانعتهم في ذلك، لكن من المهم رؤية على أي أساس يتم ذلك، فإذا كان على أساس أنهم جزء من التكوين الكياني والسكاني، فإنه ينبغي أن يتم ذلك في أطر مؤسسات سورية موحدة سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو عسكرية، يكون الأكراد فيها حاضرين ومشاركين كغيرهم من بقية السوريين، وهذا أمر قائم في الكثير من المؤسسات السورية السياسية والاجتماعية والثقافية، والأبرز في ذلك وجودهم في الائتلاف الوطني والمجلس الوطني وفي التحالفات الأخرى، التي تسعى إلى رسم مستقبل مشترك لكل السوريين يقوم على المشاركة والعدالة والمساواة.
أما تأكيد وجود وحضور الأكراد في الحياة السورية على أساس التوازي السياسي والمؤسساتي وفي ظل المطالبة بالفيدرالية والاعتراف بهم «قومية ثانية» في دولة فوق القوميات كما هي سوريا المقبلة، فإن ذلك يؤسس ويعزز توجه الأكراد نحو الانفصال عن سوريا، وهو ما لا تتبناه الأكثرية الشعبية الكردية ولا أغلب الجماعات السياسية كما هو معلن، الأمر الذي يشير إلى الالتباس الحاصل في الموقف الكردي العام في التأرجح بين خيار تأكيد سورنة الأكراد وبحثهم عن كيان يخصهم.
إن ميل السوريين، كما بينته الثورة السورية في عامين من عمرها، هو تأكيدهم الحفاظ على تنوعهم وتعدديتهم، وهو توجه لم يخص منطقة واحدة، ولا جماعة أو فئة، الكل هتفوا للكل وتضامنوا معهم بالقول وبالفعل، الأمر الذي يعني في الموضوع الكردي حرص السوريين على وجود وفاعلية الأكراد في إطار نسيجهم الوطني وحقهم في الحصول على كل حقوقهم التي منعهم الاستبداد والعسف منها طوال عقود، ورفع الظلم عنهم ومساواتهم مع كل إخوانهم السوريين تحت شعار المواطنة، وإن كانت لهم خيارات ومطالب أخرى، فإن من الحق أخذها بعين الاعتبار، والتفكير الجدي والعملي في السبل التي تساعدهم في الوصول إليها.
الشرق الأوسط