ملامح مأزق العمل العسكري في الإنتفاضة الشعبية السورية
عزيز تبسي
لم تكن العسكرة أو رفع السلاح في وجه السلطة، من خيارات المناضلين السلميين والتنسيقيات التي تنظم فعلهم الثوري وتواكبه،والعسكرة ليست شتيمة للعمل الثوري فمعظم الحركات الثورية في أوروباحتى نهاية الحرب العالمية الثانية كان لها،أو إنبثق عنها رديف عسكري واضح الفعل والمهام،وعموم الثورات الكبرى في التاريخ المعاصر كان لها جانبها العسكري الحاسم الروسية-الصينية-الفيتنامية-الكوبية…
الوحشية في مواجهة الحراك السلمي والإفتراء عليه بأكاذيب وقحة وفاجرة،وإجبار المجندين والضباط وكتائب الشبيحة على القتل والإغتصاب والسرقة ورواية وقائع مختلقة أمام شاشات التلفزيون،وإغتيال الجنود اللذين لاينفذون التعليمات بأوامر واضحة للقناصة وللعسكريين الذين يتعقبونهم،والإرادة الواضحة عند الطغمة العسكرية ل”حمونة”الصراع من بواكيره، بإستخدام القوة المفرطة وزج الأسلحة النوعية الدبابات والطائرات….في محاولة لسحق المنتفضين في مهدهم.
بدأت العسكرة في الأرياف كشكل وحيد للدفاع الذاتي عن النفس والعائلة والممتلكات بوسائل بسيطة من أسلحة الصيد والأسلحة الفردية الأخرى من التي يحوذها الفلاحون،ولم تنبثق الكتائب العسكرية عن الحركة السياسية التقليدية،بما يمكن تسميته وفق التجارب الفلسطينية واللبنانية والعراقية وغيرهم الجناح العسكري أو الذراع العسكري للحزب أو المنظمة أو للتحالف أو الجبهة،بل أتى تشكلها وفق سياق تجريبي يهدف إلى تخفيف الأكلاف البشرية والمادية وردع العدوانية الفاشية وحماية النضال السلمي،قبل أن تتطور إلى هجومات معاكسة على المواقع العسكرية.
وحملت العسكرة معظم سمات العفوية التي إنطلق منها الحراك الإحتجاجي،وساهمت لامركزيتها القروية على توضعها على المرتكزات الأهلية ووحدات القرابة،مما زاد في تفككها-في بعض القرى تقاتل سبع فصائل متمايزة للجيش الحر-وساهمت إستراتيجية الطغمة الدموية في تعميق العسكرة وعززت بتسهيل وصول السلاح إلى من يطلبه”كان السلاح يباع كما تباع الخضروات بشكل علني وفي الأسواق الرئيسية وبعلم أجهزة المخابرات ومراقبتها،ومعظم من كان يأتي بالسلاح من تركيا هم مهربون معروفون بعمالتهم للمخابرات مما أثار إستغرابنا ودهشتنا”وفق مارواه لي أصدقاء من مناطق إدلب بعد بضعة أشهر من إنطلاق الحراك.ودعمت العسكرة بعصبها التدميري الطائفية،بإرتكاب مذابح ذات بعد طائفي قوي ومؤثر في بانياس وجبلة وجسر الشغور وحمص….كأنه إستدعاء للرد بالمثل،والإستدراج إلى الموقع الذي يظهر غلبّة الطغمة العسكرية وتنظيمها وقوتها النيرانية وقدرتها التعبوية بإحتكار الإعلام ووسائل الإتصال،وتجاهل الإعلام الفضائي العربي(الجزيرة-العربية)للإنتفاضة الشعبية في الأشهر الأولى لإنطلاقتها.
إنقسمت القوى التقليدية حول العسكرة والجيش الحر،طرفاً لم يقبل به وطالب بحفاظ الحركة على سلميتها،ولم يقدم بديله السلمي وإستراتيجيته الموافقة له،وطرف دعم الجيش الحر بالكلام الذي يستخدمه المشجعون على مدرجات الملاعب الرياضية،ولم يبادر لتنظيمه بأطر مركزية موحدة،وإسناده ببرنامج عسكري يشكل هادياً أو خريطة طريق أولية للكتائب المقاتلة،العمل المفيد للإنتفاضة ماصدر بعد مرور سنة ونصف من عمرها وبعد تفاقم التجاوزات العسكرية وعرف ب”ميثاق شرف” وشكل مجموعة ضوابط أخلاقية للعمل العسكري وللمقاتلين،وبغياب قوة تفرضه وتتأكد من تطبيقه سيبقى حبراً على ورق،أو إشارات على المواقع الألكترونية،أشبه بصرخة في واد.
ساهم في تعزيز هذا الميل العسكري اللامركزي،تعثر إنشقاق وحدات كاملة من الجيش بكامل عتادها وإنضمامها للإنتفاضة،وعجز المؤسسة العسكرية عن إسناد الإنتفاضة الشعبية الثورية كما حصل في الثورتين الروسية والإيرانية وغيرهما ووقوفه على الحياد النسبي في الإنتفاضتين التونسية والمصرية،مما يوجب الإطلالة على هذه المؤسسة وتقصي آليات بنائها وإنتاج ولاءاتها وهي تواجه الشعب الأعزل،ومغادرة المنشقون العسكريون جغرافيا الصراع وإنتقالهم الآمن إلى تركيا والأردن،مما أفقد الكتائب عناصر خبيرة بالتنظيم والإعداد القتالي والتخطيط للعمل العسكري،بإستثناء المقدم حسين هرموش،وفق علمنا، التي قاتل لأشهر في جبل الزاوية وريف إدلب قبل أن يغادر البلاد،لتعثر قدرات مجموعته العسكرية على الإستمرار لأسباب لها علاقة بنقص الذخيرة والإمداد.
لايمكن العمل على تحقيق وحدة فصائل الجيش الحر(وحدة الأداة الثورية)دون العمل على وحدة الهدف الثوري(من إئتلاف اليسار السوري إلى وحدات تنتسب إلى تنظيم القاعدة ومابينهما من خيارات متباينة)،ودون العمل على توفير مركز تمويل ودعم عسكري موحد(وهو لن يتحقق،لدخول مصالح ودول متعددة على خط الإنتفاضة الشعبية الثورية وبتسهيل من جماعات المجلس الوطني وغيرها،كما حصل في تجارب ثورية عربية أخرى:اللبنانية-الفلسطينية-العراقية،وإبعادها عن هدفها الثوري وتقويضها فيما بعد)الإفراط في اللامركزية وتكريسها بالمصالح الضيقة وتوفير مقدمات الصراع والتنافس فيما بينها والعمل على برامج خاصة-مثل إختطاف الحجاج الشيعة اللبنانيين،اللذين وجدوا لحسن حظهم من يطالب بهم ويتابع قضيتهم،هناك المئات من المختطفين السوريين المنسيين،وربما يكونون من المقتلوين- والإمتداد الزمني في عمر الإنتفاضة دون تحقيق أي إنجاز ملموس سياسي أو عسكري سيكون مدخلاً ملكياً لنمط سوري من الصوملة،أو اللبننة قبل مؤتمر الطائف.
وإن وفرت بعض الفصائل من الجيش الحر الخبرة والمبادرة الشجاعة ،القدرات لتنظيم الحياة المعاشية والأمنية في القرى التي سيطرت عليها،إلا أنه ظهر عجزها في إدارة شؤون مدن كبيرة:كمدينة حمص ومدينة دير الزور التي صنفت من منظمات الإغاثة العالمية مدينة منكوبة،وبات مشروعاً السؤال وفق الشرعية الثورية لاغيرها،عن الحدود التي تسيطر عليها فصائل الجيش الحر على قرارتها،أي بوضوح أكثر هل قراراتها العسكرية هي تعبير عن مصالح الإنتفاضة الشعبية الثورية للوصول إلى إنجاز مهامها،أم أنها إنحرفت لأسباب كثيرة-معظمها لا ينبع من حقيقة مبادرتها وخياراتها بل من الشروط المأساوية التي حوصرت بها ممن مايزال تعتبرهم أغلب جماعات المجلس الوطني”أصدقاء” سوريا.
عزيز تبسي حلب أيلول2012