صفحات الرأي

“الإخوان المسلمون بين الماضي والمستقبل”


    هيثم مزاحم

لا تزال جماعة الإخوان المسلمين في مصر موضوعاً يشغل الكثير من السياسيين والباحثين العرب والغربيين. وتثير طروحات الجماعة الكثير من الأسئلة التي أشار اليها الباحث المصري الدكتور وحيد المجيد في كتابه “الإخوان المسلمون بين الماضي والمستقبل”(*).

يشير عبد المجيد في مقدمة كتابه الى أنه “لم تثر جماعة أو حركة أو حزب في مصر والعالم العربي عموماً جدلاً مثل ذلك الذي أثارته جماعة الإخوان المسلمين على مدى أكثر من 80 عاماً، وما زالت تثيره. ولم تنتشر جماعة أو حركة إسلامية، أو غير إسلامية، في معظم بلاد العالم العربي وبعض البلاد الاخرى في العالم الإسلامي، فضلاً عن أوروبا والولايات المتحدة، إلا جماعة الإخوان المسلمين التي بدأت في التمدد خارج موطنها الأصلي في مصر بعد سنوات قليلة على تأسيسها عام 1928”.

في بداية نشأة جماعة الإخوان المسلمين كان مؤسسها حسن البنا قريباً من الصوفية في شبابه الباكر حين انضم الى الطريقة الحصافية حيث تأثر بكتاب شيخ الطريقة حسنين الحصافي “المنهل الصافي في مناقب حسنين الحصافي”. يرى عبد المجيد أن جماعة الإخوان المسلمين بخلاف ما يعتقد البعض من أنها نشأت دينية ثم تحولت الى العمل السياسي عام 1938، فإن الدعوة الدينية امتزجت عند البنا بالفكرة السياسية منذ اليوم الاول لتأسيس الجماعة. ولم يكن المؤتمر الخامس للجماعة الذي عقد في أيار 1938 أكثر من إعلان دخول المعترك السياسي. وكان تأييد الإخوان لثورة 1936 الفلسطينية كاشفاً أن توجهها السياسي لا يقتصر على مصر، بل لا يقف عند حدود فلسطين، التي ساهمت قضيتها في تعزيز دور الإخوان وزيادة شعبيتهم.

وعلى الرغم من أن الهدف الذي حدده البنا للنظام الخاص هو مواجهة الاحتلال البريطاني في مصر، ومساعدة المجاهدين في فلسطين، فإن النظام الخاص نقل حركة الإخوان الى مرحلة جديدة اتسمت بالعنف، وخصوصاً في الفترة بين عامي 1944 و1948، وأدى تفاقم الوضع في فلسطين الى التوسع في التدريب العسكري تحت شعار الاعداد للجهاد في سبيل القضية.

ويؤكد الباحث على نقل نشاط “الإخوان” من العمل السلمي الى العنف، حيث كان عام 1948 عام العنف المسلح في تاريخها، وكانت عملية اغتيال احمد الخازندار في 22 آذار 1948 انتقاماً منه بسبب الحكم الذي أصدره في احدى قضايا الاخوان، وظلت اعمال العنف تتصاعد حتى إصدار قرار حل الجماعة في 8 كانون الاول 1948. ودفع حسن البنا حياته ثمناً لدائرة العنف هذه.

لكن الصدام الذي حدث بين الاخوان وثورة يوليو 1952، أنهى مرحلة من تاريخ الجماعة حظيت فيها بالشرعية، وتحركت في مجال الدعوة الدينية والعمل السياسي والنشاط الاجتماعي والرياضي، قبل ان تنزل تحت الارض وتلجأ الى العمل السري، هرباً من يد ثقيلة سعت الى الاجهاز عليها واستئصالها بالقوة.

يناقش عبد المجيد العلاقة بين اعضاء الجماعة وقيادتها ممثلة بالمرشد العام، والتي تقوم على مبدأ السمع والطاعة المتضمن في البيعة وفقاً لقسم عضو الجماعة. ويشير الى ان البناء التنظيمي يتكون من مستويين هما: الهيئة التأسيسية ومكتب الإرشاد، بالاضافة الى المركز العام للجماعة، كما يستعرض التكوينات الادارية ونظام “الأسر” والأقسام الفنية واللجان الدعوية، لافتاً الى أنه بسبب الطبيعة الدينية لفكر الجماعة، ينبغي ان نأخذ في الاعتبار وجود جانب روحي في العلاقة بين زعيمها واعضائها، ومن الصعب تجنب تأثيراته على الممارسة الديموقراطية داخل الحركة.

ويلفت الى ان جماعة الاخوان قد عرفت اسلوب الانتخاب في اختيار قادتها، ولكن مع وضع قيود عليه أتاحت للمرشد العام الاول سلطات واسعة. اما في عملية اتخاذ القرار فإن البنا سعى الى اتباع اسلوب التوافق في القرارات المهمة، لكي تصدر بالاجماع وليس بالغالبية بقدر الامكان. وعقدت حركة الاخوان ستة مؤتمرات عامة بين عامي 1931 و1941، كانت المشاركة فيها محصورة في الاعضاء العاملين والمجاهدين، الذين يمثلون أعلى مراتب العضوية في الجماعة، ومعنى ذلك ان اسلوب اختيار اعضاء المؤتمر العام كان اسلوباً نخبوياً وليس ديموقراطياً، ومع ذلك كان أداء هذه المؤتمرات يتسم بطابع ديموقراطي بدرجة ما.

انطلاق جماعة الاخوان من مصر الى خارجها، بدأ بعد سنوات قليلة من التأسيس، وكانت البداية الى الاردن، ثم الى الدول العربية القريبة جغرافياً من مصر. ويوضح عبد المجيد أن ما يجمع هذه التنظيمات على امتداد العالم والعالم العربي خصوصاً، هو اقل بكثير مما يفصل بينها. كما أنه لم يحدث في أي وقت ان كانت هناك سياسة عامة ومواقف موحدة لتنظيمات “الاخوان” تجاه القضايا المختلفة، ربما باستثناء قضية فلسطين. ويشير الى أن الجامع الرئيسي في حركة التنظيم الدولي هو فكرة عامة وانتماء فضفاض وشعور بالتضامن والتساند، وحلم في رفع الراية المشتركة في سماء بلاد الأمة الاسلامية على امتدادها.

اما الفاصل الرئيسي بين تنظيمات الاخوان فهو السياسة بمتغيراتها وتحولاتها وتقلباتها، والمؤثرات الداخلية التي تختلف من بلد الى آخر، والقضايا التي يتعين التعامل معها، على تنوعها وتباينها من حالة الى  أخرى. وبالتالي فان التنظيم الدولي لا يزيد عن كونه رابطة عامة معنوية، ولا يجوز اعتباره تنظيماً الا على سبيل المجاز. ويستعرض الباحث نماذج من الخلافات بين التنظيمات القطرية الاخوانية في بعض القضايا العامة، مثل الموقف من الكفاح المسلح في فلسطين عقب هزيمة 1967، والصراع بين الاخوان والسلطة في سوريا في الثمانينات، والموقف من ازمة الغزو العراقي للكويت، كدليل على عدم وجود تنظيم حقيقي قوي على المستوى الدولي. ويشير الى ان تنظيمات “الاخوان” قد اثبتت افتقادها الى قنوات للحوار الجاد وآليات لحل الخلافات التي يمكن ان تتفاقم وتسيء الى الحركة في مجملها.

بعد فشل سياسة الاستئصال في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي والتي اتبعها نظام الحكم في عهد الرئيس جمال عبد الناصر ضد “الاخوان”، تغيرت اولويات الحكم في عهد الرئيس انور السادات في اتجاه احتوائهم، وامتدت هذه السياسة في العقد الأول من عهد الرئيس حسني مبارك (1981 – 1991)، لكنها شهدت تحولاً كبيراً بشكل سلبي مع بداية عقد التسعينات، بعد أحداث الجزائر التي تلت الغاء الانتخابات التشريعية في كانون الاول 1991، نتيجة تفاقم مخاوف السلطة من الحركات الاسلامية في مصر، الامر الذي جعل سياستها تجاه الاخوان، تنحو نحو الاستبعاد بدلاً من الإدماج، ونحو المواجهة بدلاً من الاحتواء. وقد اتجهت السياسة الرسمية للتضييق على الاخوان، وتوجيه ضربات انتقامية اليهم، واتهامهم بالارهاب.

يقول عبد المجيد ان المشروع الذي طرحه “الاخوان المسلمون” عام 2007 لبرنامج حزبهم، الذي لم يؤسسوه إلا عام 2011، قد اثار جدلاً واسعاً. فكان هذا اول برنامج يقدمه “الإخوان” منذ عام 1953 عندما قدموا برنامجاً مقتضباً لم يستكملوه بسبب التدهور السريع في علاقتهم بنظام عبد الناصر. من هنا كان هناك شوق عارم لمعرفة رؤية “الإخوان” للحاضر والمستقبل في صورة متكاملة وفي وثيقة واحدة.

وأثار المشروع انتقادات حادة لبعض بنوده وهجوماً شديداً تجاوزه الى الطعن في اهداف الجماعة ونياتها. ويسجل عبد المجيد ملاحظتين قبل مناقشة المشروع وتحليل الخطاب الذي ينطوي عليه هما طبيعة الدولة وعلاقتها بالدين، وموقع الاقباط والنساء فيها. يقول الباحث ان الطريقة التي صيغ بها دور الهيئة الدينية في الدولة والنظام السياسي في مشروع برنامج الحزب لا بد ان تثير مخاوف من يتطلع الى مستقبل تستعيد فيه الشعوب حقها في ان تكون هي مصدر السلطة.

اما النقطة الثانية وهي حظر تولي الاقباط والنساء رئاسة الدولة في النظام الرئاسي، ورئاسة الوزراء في النظام البرلماني، فقد جاءت واضحة وحاسمة ولم تقنع التفسيرات التي قدمها انصار الإخوان، من يخشون ان يؤدي هذا المشروع الى دولة دينية، ومن هنا تأتي أهمية المراجعة الايجابية التي وعد بها قادة الجماعة لهاتين النقطتين.

الفصل الاخير يبحث ما يسميه عبد المجيد عقدة المرجعية الاحادية، إذ يذهب الى “ان المسألة الديموقراطية عقدة اساسية بالنسبة الى تيار الإخوان المسلمين منذ تأسيسه، وما زالت هذه العقدة مستمرة، فالإصرار على مرجعية احادية للنظام السياسي هي الشريعة الاسلامية لا ينسجم مع احد أهم مقوّمات الديموقراطية التعددية التنافسية المفتوحة. ويشير الى ارتباك الإخوان على مدى نحو ثمانية عقود بين مبدأ الحكم للشعب ومبدأ الحاكمية لله، فالنظام السياسي عندهم هو نظام ديموقراطي بالمعنى الاجرائي الذي يفهمه كل من يؤمن بالديموقراطية، نظام يقوم على ان الشعب هو مصدر السلطات، الامر الذي يجيب بشكل واضح على سؤال كثيراً ما أربك حركات أصولية طورت خطابها السياسي في اتجاه قبول الديموقراطية ولكن بصورة غامضة وهو: أين، إذن، موضع مفهوم الحاكمية لله في هذا الإطار؟

* مركز “الاهرام” للترجمة والنشر (2010).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى