الإخوان هادنوا النظام السوري ولم يقطعوا مع الجماعات الجهادية/ رانيا مصطفى
منذ انطلاق الثورة السورية في مارس 2011، كان للإخوان المسلمين دور مفصلي في تحويلها على مدارات مذهبية وطائفية. ولئن تضافرت العوامل السلطوية المحلية مع الدوافع الإقليمية والدولية في وصول الحدث السوري إلى هذا الحد من الانسداد إلا أن لعب الإخوان على التناقضات وانتصارهم لانتماءاتهم الأيديولوجية كان لهما أثر بالغ في ظهور التيارات الجهادية، وفي رسم المشهد السوري الراهن.
ضلوع في تحويل الثورة إلى خراب
يزايد الإخوان المسلمون على الشعب السوري بأنهم أشد معارضةّ لنظام بشار الأسد، وأن ما لحق بهم من تنكيل ونفي في الثمانينات يعطيهم الأحقية في تصدر المعارضة ثم تولي الحكم. والواقع أنهم منذ تولّي بشار الأسد الحكم، لم يتوانوا عن محاولة التصالح معه والعودة، عبر وساطات قطرية وتركية، وأخرى من رجال الدين المقربين من النظام.
اليوم هم يحضرون مؤتمر أستانة 5 التي رفضت فصائل كبيرة حضورها، ويفاوضون الروس في موسكو من أجل المشاركة في الحكم مع النظام. ومنذ بداية الثورة السورية في آذار 2011، كان الخطاب الإخواني هو المسيطر على المنابر الإعلامية التقليدية والبديلة، وكان يعزز ما يقول ويوحي به النظام، بأن الثورة تخص الأكثرية الطائفية المظلومة، وأنه نظامٌ يمثل طائفة بعينها، ويحمي الأقليات.
فقد كان الزخم الشعبي العريض المُطالِبُ بإسقاط النظام السوري في 2011 يهز عرش الأخير ويرعبه، ويكسر سطوته الأمنية في مناطق واسعة من البلاد؛ ولم يكن وصفُه للثورة بالطائفية والإرهابية والسلفية، إضافة إلى أنها مؤامرة عالمية، كافياً لتبرير القمع والقتل، بل وغير كافٍ لإعادة الشعب إلى حظيرة الرعب الأمنية. لذلك كان يحتاج ويحلم بخلخلة الثورة من داخلها، وفضّ الحاضنة الشعبية عنها، عبر تحويلها بالفعل إلى الطائفية والإرهاب والتطرف. ولهذا الغرض أصدر مراسيم العفو التي أخرج بها من سجونه قياديين إسلاميين وطائفيين أواخر 2011 وبداية 2012، وكانوا مؤسسين وقياداتٍ لأحرار الشام وجيش الإسلام وجبهة النصرة وصقور الشام وغيرها.
ورغم وضوح ذلك، إلا أن الإخوان المسلمين اعتبروا تلك الجهاديات جزءا من الثورة، رغم رؤيتها الفئوية لمستقبل سوريا، ولم يقدِّموا نقاشاً أو انتقادا لتلك الرؤى الأيديولوجية الخاصة، والرافضة لمبادئ المواطنة والديمقراطية؛ ولم يقطعوا معها، إلا بعد زيادة الرفض الشعبي لها على نطاق واسع، كفتح الشام/ جبهة النصرة مثلا.
الإخوان المسلمون اعتبروا التيارات الجهادية جزءا من الثورة، ولم يقدموا نقاشا أو انتقادا لتلك الرؤى الرافضة لمبادئ المواطنة
بدايةً أسس الإخوان، برفقة إعلان دمشق وآخرين، المجلس الوطني السوري، وكانت السيطرة لهم، حيث يدور شركاؤهم في فلكهم، ويخضعون لقراراتهم بوصفهم التيار السياسي الأقوى ضمن المعارضة التقليدية. وكان الهدف من تشكيل المجلس إقناع الغرب وحلف الناتو بالتدخل العسكري، على غرار ما حصل في ليبيا، ولم ينتبه هؤلاء إلى أن الغرب غير مستعد لكلفة هذه الحرب، وأنه يفضّل أن يغضّ النظر للسماح للنظام بقمع الثورة، وبناء على ذلك رُفضت المطالب بتسليح المعارضة بالأسلحة الثقيلة.
واستمر هذا الاعتقاد بأن أميركا وأوروبا من الممكن أن تدعم المعارضة مع تشكيل الائتلاف الوطني، والذي لم يكن الإخوان في واجهته، لكنهم ظلّوا مسيطرين على هيئاته وحكومته. والنتيجة اليوم، مع تقاسم الدول العظمى والإقليمية لكل شبر من سوريا، هي عودة الاعتراف بالنظام تدريجياً ومن الدول التي قالت مراراً أنه فاقد للشرعية.
ولا يخفي إخوان سوريا تبعيتهم وولاءهم لكلّ من قطر وتركيا؛ حيث سعت قطر إلى اتخاذ دور منافس في المنطقة من بوابة دعم الإخوان، في مصر وسوريا وكذلك باحتضانها لحماس. في حين أن الإخوان اتخذوا من تركيا ملاذاً لهم ولمعظم نشاطاتهم. وكانوا قد طالبوا الحكومة التركية مراراً بالتدخل العسكري لحماية المدنيين؛ واليوم التدخل حاصل، ولا يتم انتقاده كما هو الموقف من تدخل روسيا وإيران وأميركا بل مرحّب به، وهناك تنسيق ضمني بأن إدلب، التي تحشر فيها المعارضة المسلحة الإسلامية ستكون منطقة نفوذ لتركيا.
لا ننسى أن للإخوان دوراً في دعم تشكيل كتائب تخصّهم، وتعمل وفق أجندة الداعمين، وهم كذلك حاولوا تبني أو مشاركة كتائب أخرى، كأحرار الشام.. والواقع أن الإخوان لم يقدّموا أي نقد للرؤى الفئوية التي تقول بها الجهاديات المسيطرة على الأرض والبعيدة عن المطالب الوطنية، وبالتالي ليس لهم أي جهد أو نقاش أيديولوجي ينتقد ذلك الفكر الجهادي السائد، وحتى رفضهم لتنظيم الدولة الإسلامية لم يكن على أساس تعارض أيديولوجي، بل اكتفوا بالتنديد بالجرائم التي يقوم بها التنظيم، ولم يرفضوا مبدأ الخلافة، بل قالوا بأنه ليس في وقته.
وبالتالي الإخوان في عمقهم الإيديولوجي لا يختلفون عن شتى التنظيمات المغالية في التطرف كداعش والقاعدة، ولكنهم يتبعون طرقاً أكثر حنكة سياسية وبراغماتية للوصول إلى هدفهم.
فهم يقبلون بالديمقراطية وبمشاركة اللّيبراليين في التحالفات المختلفة وفي الحكم لاحقاً، ويراهنون على ضعف شركائهم، وعلى قدرتهم على التأثير في الرأي العام عبر الأسلمة التي يحاولون تعميمها من خلال سيطرتهم على الهيئات والوزارات، وبالتأكيد يركّزون على شكل من الأسلمة لا يقترب من الإيمان بقدر ما يقترب من الشكليّات والتمسك بالتقليد ونشر الفكر المحافظ، ومصادرة كل أوجه الحداثة الاجتماعية. الإخوان ليسوا سوى جماعة طامحة إلى السلطة بأية وسيلة، حتى لو كانت بالشراكة مع النظام؛ ولم يقدموا أي مشروع وطني، بل كان سلوكهم خلال الثورة وقبلها طائفيا وانتهازيا ووصوليا.
العرب