الإسلاميون ومواجهة العالم بمزيد من التطرف
إبراهيم غرايبة
لماذا يواجه الإسلاميون الاحتجاجات الشعبية والنفور العالمي والفشل الاقتصادي والسياسي بمزيد من التطرف؟ أليس المنطقي أن يواجه الإخوان المسلمون الحالة في مصر بمحاولة التهدئة وإظهار مزيد من الاعتدال ولو ظاهريا على الأقل؟
هل يخفي على حماس في غزة أن ما تقوم به من سياسات وقرارات متطرفة تضيق على الناس حرياتهم وتزيد ظروفهم السيئة أنها في ذلك تساعد إسرائيل، وأنها تستعدي العالم وكل الدول والقوى السياسية وتحرج أصدقاء ومؤيدي القضية الفلسطينية؟ لماذا تعلن جبهة النصرة التي تقاتل النظام السياسي في سورية في هذه الظروف ولاءها لأيمن الظواهري زعيم القاعدة وتضع نفسها في مواجهة العالم في وقت يفترض أنها بحاجة للتأييد العالمي وأن تجتذب التضامن في مواجهتها مع النظام السوري؟ أليس متوقعا في ظرف مثل ظروف المعارضة السورية أنها تسعى لاكتساب الأصدقاء والمؤيدين وأن تقلل الأعداء؟
وأقرر سلفا بأني عاجز عن إجابة هذه الأسئلة أو تفسير ظاهرة مواجهة العالم والخصوم والمنافسين بل والمؤيدين والمحايدين بمزيد من التشدد والتنفير؟ ولا أفهم هذا الحرص على اجتذاب النفور والعداء الذي يضر بالإسلام والمسلمين وقضاياهم ويزيد العداء والنفور في الوقت الذي يحتاج الإسلاميون إلى الأصدقاء وفي الوقت الذي تحتاج المجتمعات الإسلامية ودولها إلى مناصرة العالم كله وبخاصة الدول المتقدمة التي تملك النفوذ العالمي والتقنية والقوة، لماذا يتبرع الإسلاميون بزيادة الأعداء والعداوة للإسلام والمسلمين وكأنهم في صف الأعداء أو مثل الأصدقاء الحمقى الذين يجلبون على أنفسهم وأهليهم وبلادهم مزيدا من القتل والفقر والحصار…
ربما يكون التشدد يجلب مصالح صغيرة وضيقة في التنافس بين جماعات الإسلام السياسي على الأنصار والمؤيدين اعتقاداً منها أن التشدد يزيد المؤيدين من المتدينين، وربما يكون التشدد هروباً من الازمة إلى أزمة أو تعبيراً عن الإدارك والشعور بأن التأزيم يخدم بقاء هذه الجماعات وأن الاستقرار يضرها ويذهب بها، فهي أقدر على العمل وكسب الأنصار في ظل الأزمات، ولكنها لا تملك القدرة على المحافظة على ثقة الناس في مواجهة متطلبات البناء والتنمية والنهوض الاقتصادي والاجتماعي.
ويكاد المحلل يغامر بالقول إنها جماعات مخترقة يسهل استدراجها وتسخيرها لأهداف وأغراض تختلف عن أهدافها المفترضة وأنها بطبيعتها الغامضة والباطنية وبنيتها السرية وهرميتها المفرطة قابلة للتحول إلى فيروس متسلل في جسم الأمة والمجتمعات والقضايا التي تعمل لأجلها، فمن المؤكد أن النظام السياسي في سوريا تلقى هدية كبرى بإعلان جبهة النصرة عن نفسها بأنها جزء من القاعدة وأنها تبايع أيمن الظواهري قائداً لها، ومن المؤكد أن المعارضة السورية تواجه إحراجا وطعنة نجلاء من الخلف، ولا يبدو ثمة مكسب محتمل أو وارد للثورة السورية وحتى لجبهة النصرة نفسها من هذه الخطوة المفاجئة!
وربما تكون المسألة سيكولوجية متصلة بما ينشئة التشدد من غرابة في السلوك والفكر والأطوار، وأنه يمضي بأصحابه وبالناس إلى حالة من غياب الوعي والادراك والانفصال عن الواقع، ولكن كيف نفسر قدرة هذه الجماعات على البقاء واكتساب المؤيدين والأنصار والحصول على المال والسلاح؟ ولماذا نجحت الولايات المتحدة وأوروبا في إبعاد التطرف والعنف الإسلامي عن بلادها ومصالحها وظل يتنامى ويزداد قوة في دول يفترض أنها (الولايات المتحدة وأوروبا) تقف إلى جانبها في مواجهة التطرف والعنف، وكيف صارت القاعدة في العراق وسوريا وأفغانستان بهذه القوة والتأثير بعد كل الجهود التي بذلت في مكافحتها؟ هل كان النظام السياسي في سوريا وإيران يرعيان القاعدة في تلك الأثناء وهل نجحا في اختراقها وتطويعها وهل يحصدان اليوم ما بذلاه في السنوات العشر الماضية من إيواء القاعدة وحمايتها؟ وهل وقعت الجماهير والمجتمعات والقضايا العربية والإسلامية في فخ محكم؟ أيا كانت الإجابة والنتيجة التي يوصلنا إليها التحليل فإن الدول والمجتمعات العربية والإسلامية لا تملك اليوم إلا أن تتمسك بالاعتدال والوسطية والإصلاح والنهوض الاقتصادي والاجتماعي وألا تستدرج أو تدع نفسها تستسلم لإغواء التشدد بلا إدراك كاف لمصالحها وأولوياتها والمخاطر التي تهددها والا تدع الغضب من الأوضاع القائمة يقودها إلى ما هو أسوأ من ذلك، فتكون كالمستجير من الرمضاء بالنار!
الحياة