صفحات الرأي

ارتكاب جهاز حرب وأمن بشار الأسد محرقة الغوطة، صادف انفجار أزمات الأنظمة الإخوانية عَرَضاً؟/ وضاح شرارة

ذهب التفكر والتذكر بكثيرين رأوا صور ضحايا غاز السارين الاسدي وقتلاه وصفوف المكفنين بالابيض الناصع في دمشق الشرقية و”مشافيها”، الى الغبار الاحمر الذي لف مضارب البرازانيين، العشيرة الكردية العراقية، في اواخر حرب صدام حسين روح الله خميني، وحملة “الانفال” التي شنها الاول وابن عمه “علي الكيماوي” على كرد العراق. وتوسل بعض من تفكروا وتذكروا بالواقعة الكيماوية الى المقارنة بين الديكتاتورين البعثيين، أو الى التنديد بالسكوت الغربي عن إعمال الحليف العراقي سلاحاً محظوراً، لم يقر الحليف الظرفي بحظره شأن الرئيس السوري “الشاب” وطبيب العيون اليوم، وخلصوا الى شبه السكوت الغربي يومها بـ”سكوت” اليوم وغفلته.

وفي غمرة ادانة “الغرب” وضعفه، أو التباس إدانته الاعمال البربرية التي يرتكبها طغاة عرب، ثم إبطال صفة العروبة ونسبتها ونفيها عن هؤلاء، ننسى أو ينسى معظمنا أن “مرجع” الكيماوي الاول و”حجته” العظمى، اذا جازت العبارة، إنما هو النظام النازي الهتلري وحرب إبادته الفعلية التي شنها بغاز الزيكلون(ب) على يهود أوروبا الوسطى والشرقية العزل في حجرات وأفران الغاز المقفلة في تريبلينكا وداخاو وآوشفيتز وغيرها، في مواضع كثيرة من “ارض الدم”، على قول أحد المؤرخين، أو البلاد المدماة بين ألمانيا (الهتلرية) وروسيا (الستالينية).

وتصدرت القيادة الايرانية، الخمينية والحرسية النجادية، نكران الابادة اليهودية. وسوغت بانتفاء حقيقة الابادة وبطلانها اقتراح اقتراع ديموقراطي، عربي اسلامي ويهودي، على “وجود” الدولة العبرية، وإعادة المهاجرين اليها من بلدان العالم (الـ83، على عدد مصادر التكفيريين الجهاديين “العاملين” في سوريا الاسد اليوم) التي جاؤوا منها غصباً وعنوة. واحتج عرب كثر للرأي الايراني القيادي في بطلان الابادة في معسكرات الاعتقال ومرافقها الغازية. فهو جسر الى تقويض مشروعية الدولة العبرية، على ما يرون. والابادة، على هذا، اختراع يهودي صهيوني فظيع توسل به الصهاينة فسندوا اغتصابهم الى ظلم عظيم، “غير منطقي”، على قول “الدكتور بشار” الى صحيفة روسية في استعمال قواته الغاز القاتل في الغوطة الشرقية الآمنة، ومن “غير دليل”، على قول وزير خارجيته الصادق والعفيف اللسان، وليد المعلم (وهو صاحب الرواية الصادقة عن نسيب لحود، في الاسابيع التي سبقت اغتيال رفيق الحريري).

والتعلل بالاستحالة والامتناع وانتهاك المنطق والافتقار الى الدليل- بالامس في شأن الابادة الصناعية الهتلرية وفي شأن معسكرات العمل والقتل الستالينية والسوفياتية، واليوم في الشأن السوري- حجة مستعادة ومتواترة وسند الحجة، وربما السبب في الاحتجاج بها وتكراره او تواتره هو افتراضها ان الحاكم “القومي”، وجسد الدولة القومية (العروبية في معرضنا السوري) والاجتماعية (دولة المحرومين والفقراء والمظلومين)، وجيشها، لا يعقل إطلاقاً ان يقتلوا شعبهم. وهم “شعباً وقيادة وجيشاً” على قول المعلم أو “الشعب والجيش والمقاومة”، على قول العامل الخميني الحرسي، وحدة واحدة. وما ينكره هؤلاء، وامثالهم قديماً وعلى الدوام، ليس انفصال الدولة عن “الشعب” (المجتمع) وقيامها بإزائه وفوقه جسماً مرئياً وينبغي تقييده ومحاسبته والحؤول دون حلوله في الشعب وذوبانه فيه، فحسب. فهم ينكرون ان مزاعمهم في توحيدهم أنفسهم في الشعب تؤدي الى امتلاك سلطان هائل في وسعهم إعماله في تدمير جزء من “شعبهم الواحد”، وحمل هذا التدمير، بالغازات السامة او معسكرات الاعتقال او التطهير الاداري او “اللبننة” الاهلية، على “إصلاح” أو على صد عدوان إرهابي وأجنبي من 83 بلداً.

وذهاب التداعي بالمتذكرين والمتفكرين الى حلبجة الكردية وعلي حسين المجيد “الكيماوي” وابن عمه صدام حسين، ووقوفهم عند هذه وهؤلاء، والتوسل به الى التنديد بالفعلة الاميركية، إنما يشيح النظر عما يُنكر حقيقته هذا الصنف من الطغاة الذين تلدهم المجتمعات والجماعات العربية والاسلامية بسخاء. ولعل مصادفة ارتكاب جهاز حرب و”أمن” بشار الاسد محرقة الغوطة ( او “شواءها” الفظيع”، وهي اللفظة العربية التي تجاوب اللفظة العبرية “شوواه”، المحرقة) انفجار ازمات الاسلام السياسي الحاكم في البلدان الثلاثة أو الاربعة (إذا احتسب العراق المالكي “الايراني” والخامنئي) أو الخمسة (إذا احتسبت سوريا “النصرة” و”دولة الشام والعراق الاسلامية”)، لعل هذه المصادفة قرينة على استصحاب وحدة “الشعب والجيش والقيادة”، في صيغها المتفرقة، قتلاً أهلياً لا قيد عليه من عقل أو منطق أو سياسة.

فـ”أخونة” الدولة والمجتمع المصريين على رؤوس الاشهاد، وسطو “النهضة” واخوتها السلفيين على قمم الادارة التونسية وفرضهم معايير العمل والرأي على الدستور والحياة العامة وترك المستقلين الى إرهاب “انصار الشريعة”؛ وحلف الجماعات المسلحة والاهلية الليبية مع “إخوانيي” البلد المتناحر وإشهار نازعمهم الى الانفصال؛ وإغضاء نوري المالكي وانصاره عن غلبة دعاة الثأر الايراني من “سنة صدام” على اجهزة الامن والجيش العراقي والريوع العراقية؛ وهيمنة “النصرة” و”دولة الشام والعراق” على الشمال وبعض الشمال الشرقي وبعض الشمال الغربي في سوريا بعيداً من مسارح القتال العالي التكلفة بالمقاتلين في مدن السهل السوري؛ وأخيراً وليس آخراً تحصن الجماعات الخمينية والحرسية المسلحة في لبنان بخنادقها الاهلية وتجميدها الازمة المحلية وتعليقها على الانقسام الاقليمي العميق- هذه الازمات المتصدرة تكاد كلها تتحدر من صلب واحد. وهذا الصلب هو استعجال الحركات الاسلامية السياسية، وبعضها مسلح تسليحاً عرضياً وبعض آخر تسليحاً جوهرياً، ارساء ولايتها الجزئية والظرفية والانتخابية على توحيد قيادتها وشعبها والدولة الوطنية في كيان لا يتميز وأبدي (أو دستوري).

ولا يستقيم هذا التوحيد، على هذه الشاكلة، إلا إذا حاز فريق واحد، تلمه عصبية واحدة، مفاتيح “الامر” كله، وأولها مفاتيح القوة والادارة والريع العام، أو العوائد الناجمة عن ولاية الدولة المادية والاعتبارية. وحيازة من هذا الصنف لا يكتب الدوام لها او الاستقرار إلا اذا ساد الفريق المستولي من غير شراكة، ولا منازعة أو منازع، كيان الدولة، ورضخ الفريق الآخر، من غير مقاومة ولا منازعة، الى دونيته وتجريده من الموارد والحقوق والحريات الكفيلة بتقسيم القوة السياسية تقسيماً مختلفاً، وتجديد موازين القوة. والنظام الذي يقر مثل هذا الترتيب هو نظام حرب أهلية بين “الجماعات التاريخية” الوطنية، الناشئة عن فروق اجتماعية سياسية وثقافية واعتقادية وجغرافية ومهنية متضافرة في أغلب الاوقات. والى هذا انتهى النظامان البعثيان “العلمانيان” في العراق وسوريا، وتسعى الانظمة الإخوانية الاسلامية فيه. واستعمال النظامين الغاز السام، على مقادير متفاوتة الى اليوم، قرينة قوية على آفاق الحرب الاهلية التي تحدو سعي أهل النظام والسلطان المستولِين في إحراز انتصار تام وساحق.

وحادي الانتصار التام والساحق، أو سائقه، لازم الحروب الاهلية، الدينية والعرقية (اليهود “أشباه بشر” و”مرضى” و”حثالة”) والاجتماعية (ستالين:”قائد البروليتاريا العالمية”). والقتل الطبي أو العلمي الكيمائي، أو الذري الذي تلوح به الخطابة الايرانية الحرسية، يدين بمكانته الى سرعته وأثره المضمون وربما الى يسر التستر على مصدره (لجان التحقيق…). ولكن الافتقار اليه لا يترك مريديه صفر الأيدي: فصرعى الرئيس الوالد حافظ الاسد في حماة بلغوا عشرات الآلاف في أسابيع قليلة وأخرسوا كل معارضة 3 عقود تامة وتفوق الوالد على الابن في هذا المضمار؛ ومئات آلاف القتلى الايرانيين والعراقيين في الحرب الطويلة سقطوا ثمن السعي في انتصار لا غبار عليه ومجلل بدم كثير يغذي سلطان الحرس الى عقود؛ والحروب الملبننة الاهلية والاقليمية قوضت مباني روابط سياسية وطنية ومشتركة الى أجيال قادمة؛ واسترسال القوات المسلحة المصرية في قتلٍ متمادٍ من غير تهديد عيني ومحقق ولا قواعد اشتباك معلنة، يسهم في سيادة منطق ثأري على منطق أمن الدولة المدني.

فهو، القتل الطبي أو العلمي الكيميائي أو الذري، يحل محل “فوضى” الحياة السياسية، وكثرة جماعاتها ومماحكاتها ومنازعاتها وتنافر مصالحها، حلولاً سريعاً وباتاً، أو هو يزعم مثل هذا الدور. وهو قد يؤدي الدور الارهابي هذا الى وقت قريب وقصير. ولكن نجاحه هو مقتله: فهو يداوي داءً أخف وطأة من الدواء، على ما تنبه “التحالف” الغربي والعربي غداة محرقة الغوطة أو قال. والرد على منطق القتل الطبي والكيمائي، وعلى إرادته سرعة الحسم من غير إعمال سياسة وحرب “تقليديتين”، ولا يقتصر على الضحايا المباشرين، وأهلهم وأنصارهم. فـ”مناهضة النازية (الكيماوية)” فرض عين (وليس كفاية) عام، و”لو كان” ضحاياها يهوداً أو كرداً أو إيرانيين (في جزر مجنون) قبل أن يكونوا سوريين مسلمين وعرباً.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى