الإعلام السوري الرسمي وأجندة المؤامرة والضحايا من رجال الامن
عبد العزيز الحلبي
لا يزال الإعلام السوري الرسمي يبثُّ إرساله بالأبيض والأسود، رغم التطور السريع والهائل في وسائل الاتصال الحديث، فهو كما يدّعي ‘يحرص على نقل الحقيقة كما هي وبكل شفافية’، بحسب تعبير بثينة شعبان.
وهو أيضاً الناقل الوحيد لكل ما يجري من أحداث ودماء على الأرض السورية بعد أن أقصى كل وسائل الإعلام الأخرى بذريعة ‘نقلها أخباراً ليست صحيحة على الإطلاق على أرض الواقع’، كما تقول الدكتورة شعبان أيضاً عند حديثها مع قناة التركية الناطقة بالعربية مساء السبت 2/4/2011، ومحاولاً إبعاد كل مَنْ يريد أن يكون شاهدا لما يجري هناك وبطرق هي للغباء أقرب منها للاستغباء.
فالمدن السورية تبدو هادئة ووادعة، والحركة فيها طبيعية كما تظهرها الفضائية السورية، وما جرى من احتجاجات عقب صلاة الجمعة 1/4/2011 وقبلها وبعدها إنما هو لتجمعات مؤيدة للنظام وهاتفة بالأمن والاستقرار والإصلاح، ولا تخلو بعضها من أعمال تخريبية من بعض المندسّين والمخرّبين، أمّا ما تُظهره وسائل الإعلام الأخرى فهو عبارة عن مقاطع لتمثيليات مقطوعة من سياقها لأحداث سابقة لا تتعلق بالحدث، وأحياناً أخرى لأحداث استباقية تملي على المتظاهرين ما يجب عليهم فعله في مرحلةٍ معينة ضمن أجندة معينة، وكأنّ ما يحدث يتم إعداده في استديوهات هوليوود تآمراً على هذا الوطن.
وما يُذاع عن قتل وإصابات وجراح للمتظاهرين أثناء تظاهراتهم السلمية فأغلب ضحاياه من رجالات الأمن الوادعين، ومنشؤهُ تلك العصابات التخريبيّة المدسوسة على مجتمعاتنا والتي ما تزال طليقة تعيث في الأرض فساداً رغم متابعة السلطات الأمنية لها.
أمّا ما يدّعيه شهود العيان للإعلام الخارجي من تصوير لواقع الأحداث (المؤسفة والمؤلمة) فهو عارٍ من الصحة تماماً، وأصبح هؤلاء الشهود معروفين مَنْ هم لدى السلطات السورية بافتعالهم الكذب وتهويل ما يجري وتضخيمه بغاية التآمر على الوطن، وتصيّدهِم لأخطاء الأجهزة الأمنية (القمعية) وفضحها على العلن ممّا سيعرّضهم للمحاسبة والمساءلة القانونية عندما تفكُّ الزنقة.
أمّا الضيوف الذين يظهرون على شاشات الفضائيات الأخرى من المعارضين والسياسيين والمحلّلين فهم مضَلِّلون على الغالب ويبيّتون سوء نية لتخريب هذا البلد، ويؤكد ذلك – بحسب رأي هذا الإعلام – اتصال البعض بجهات مشبوهة وتعاون البعض مع جهات يحرُم التعامل معها لدى السلطات السورية، فهم لذلك مطعونون بشهاداتهم وتحليلاتهم مهما ادّعوا من حبٍّ وولاءٍ لهذا الوطن، الذي أصبح حكراً على المصفقين فحسب.
ولو زعموا أنهم وطنيون لوجدوا ولتكلّموا من داخل وطنهم، بحسب تصريح الكثير من السياسيين السوريين، مفهوماً ومنطوقاً، حتّى ولو تمت مضايقتهم أو تعقيم أفكارهم وتطهيرها بسياط التعذيب أو السجن أو تصفيتهم في بعض الأحيان بغية تمحيص ولائهم للوطن.
وعند استقبال اتصالات المشاهدين لدى الفضائية السورية للتعبير عن الأحداث الجارية فإنها تخلو من تلك الأصوات المعارضة أو التي تحمل أي تساؤل أو استفسار للنظام فضلاً عن المستنكِرة، وإنما تجري لها عملية فلترة ونخل فتظهر معقّمة ونظيفة من الفئات المشاكسة والمُغرّر بهم لتعكس صورة التأييد الشعبي والكامل للنظام وإصلاحاته وإن كانت زيفاً وبهتاناً.
وحتى الضيوف الذين يجري انتقاؤهم لاجراء حواريات معهم لا بدّ أن يكونوا جيّاشين بالحب والولاء لهذا النظام، وشاهدين على شجاعة القيادة وعلى سياساتها الخارجية الحكيمة والممانِعة مع دول الجوار.
وكم كنت أتمنى على القائمين على هذا الإعلام لو أنه قام بوظيفته الحقيقية بعض الوقت أو استفاد من دروس فشل الإعلام الليبي والمصري وقبله التونسي، فالتفَتَ إلى تلك الأصوات الثائرة والمنادية بمطالب مشروعة غير مستحيلة، وذلك باستيعابها والاعتراف بها حول طاولة حوار حقيقي وأن يتبادلوا معها حلولاً جادّة لهذه الأزمة ونقلها للمعنيين الرسميين، بدلاً من حالة المد والجزر واستمرار النقاش عبر شاشات الفضائيات واتهامهم بالعمالة والتآمر.
لم أكن أفكر منذ زمنٍ بعيد بمتابعة هذا الإعلام البائس أو حتى الحديث عنه لولا سخونة الأوضاع الحالية التي تشهدها سورية برمّتها، والتي فرضت عليّ متابعةً لكل القنوات الإخبارية القريبة والبعيدة والمهتمة بالحدث، وكانت السورية من بينها والتي فاجأتني وفجعتني بأسلوب تعاطيها الرتيب والمتواضع الممجوج مع الأحداث المفصلية التي تمرّ بها البلاد، ناهيك عن تواطئها مع السلطات الأمنية في اغتيال مطالب الناس، وقصورها الفاضح عن تلبية حاجات الناس.
فهذه المؤسسة باتت تحتاج إلى اجتثاث من أساسها إلى رأسها كغيرها من مؤسسات الدولة التي عشّش فيها الفساد وفرّخ، فباتت لا تستحي من عوراتها التي ازدادت قبحاً هذه الأيام وعلى مرآى من العالم كلّه، وما تعمل على تسويقه للمشاهد من فكرٍ مشوه و1مبتورٍ ملوث، والمواطن السوري (والذي أصبح يعرف البير وغطاه) وعلى مدى سنين طويلة لم يعد قادراً على أن يستسيغ هذا الإعلام بأكاذيبه وخداعه، والذي بدا باهتاً وبائتاً فضلاً عن تصديقه أو الوثوق به، في هذا الامتحان أكثر من أي وقت مضى.
كاتب سوري