الإعلام الفاجر…سوريا مثالاً
الإعلام الفاجر أو (les médias calomniateurs ) يعني باختصار، الإعلام المستعد لأي مستوى من الفجور والتشويه والبهتان في سبيل تحقيق نصر على الخصم، وإضفاء مصداقية على “المرسل”، ويستخدم فيه الإعلامي الفاجر بالضرورة، وسائل دعائية قذرة، وبذاءة لغوية، ويشبه هذا الفجور، فجور العربيد، الذي يقوم بعربدته ثم يبررها، فيزني و يقتل و يغتصب، مبيحاً لنفسه ما يشاء، وهو ما يقترب في المعنى من المصطلح (Buveur grivois ).
ويغازل المصطلح (les médias impudents). أي الإعلام الوقح.
عندما حاولت أن أعطي هذا المصطلح خصائصه العلمية خلال دراستي للإعلام، كنت أعتمد على أمثلة من العربدة الإعلامية الأمريكية خاصة، ولكنني أعترف اليوم آسفاً، أن لدى بعض السوريين بهتاناً فاق حدود التصور، بل فاق حدود المصطلح الذي أطرحه هنا، ويكفي أن تسمع أن الجيش دخل درعا استجابة لرغبة الموطنين في تخليصهم من العصابات السلفية حتى تفهم ما أريد.
تتجلى مجزرة العربدة الإعلامية اليوم بأبشع صورها من خلال بعض الإعلاميين السوريين، الذين ساهموا ولا يزالون في تأجيج الاحتجاجات في البلاد، وساهموا، دون أدنى أشك، في الحطّ من صورة السوري على وجه العموم، ناهيك عن أنهم ساهموا في تشويه صورتهم أنفسهم لدى الناس، بل لنقل أنهم أحرقوها.
يعتمد الإعلام الفاجر البهتانَ طريقاً رئيساً له في الوصول إلى أهدافه. تلك الأهداف التي تكون غالباً انتهازية ووصولية ولا ترقى لأكثر من ترقية في العمل أو أجر مادي مجز، وفي أحسن الأحوال منصباً في مؤسسة ما تابعة لأولئك الذين يستميت الفجار في الدفاع عنهم.
الأستاذ شريف شحادة، أكد للجزيرة، في مساء خميس، أن غداً الجمعة سيخرج الناس من بيوتهم ولكن ليس للتظاهر، بل للنزهات والسيران وشرب الشاي، فلما جاءت تلك الجمعة، انطلقت المظاهرات في مدن عديدة في سورية، فمن بقي لشحادة حتى يصدقه، وأنا هنا لا أتكلم عن عامة شرائح “المستقبِل” بل من سيصدق الرجل من خاصته؟.
سمع العالم كله، الأستاذ طالب إبراهيم وأصدقائه “العبود وجمو” وغيرهم وهم يصفون المتظاهرين بالسلفية والإرهاب، فردّ المتظاهرون على الفور” لا سلفية ولا إرهاب” بل ذهب الحماصنة أبعد من ذلك إذ اقترحوا أن يتظاهر الناس بلباس البحر، دفعاً لتهمة الإعلام الفاجر هذه.
قالوا بعد ذلك إن المواطنين في درعا هم من طلب تدخل قوات الجيش لحمايتهم من العصابات المسلحة، فرد أهل درعا وحمص وبانياس ببيانات تكذب ذلك وتنفي وجود التطرف وتطلب من الجيش في الوقت نفسه أن يتوجه إلى الجولان.
إن التجول بين الأفكار التي يطرحها هؤلاء الإعلاميون يجلب لصاحبه أمراض السكر والكبد والجلطات، ولكنني أحاول سريعاً أن ألقي نظرة معكم على بعض تلك الأفكار. ولقد شدّتني مصورة البيضا الشهيرة التي يظهر فيها بعض رجال الأمن وهم يهينون ويضربون مجموعة من العزل بعد أن قيدت أيديهم ورموا أرضاً، وتكتمل الفاجعة، بعد إطلالة محام سوري على شاشة الجزيرة، وأؤكد على تعريف ذلك الرجل بالمحامي، وبدل أن يدافع صاحب القانون عن المسالمين المضطهدين، قال إن الجيش والأمن في سورية لا يفعلان ذلك ولن يفعلاه وهو مستعد للاعتذار إذا ثبت غير ذلك، وأكد مغلظاً الأيمان، أن هذه المصورة جاءت من العراق وأن أولئك المجرمين هم من رجال البشمركة. وما هي إلا ساعات حتى ثبت قطعياً أن المصورة صحيحة وصورت بقرية البيضا التابعة لمدينة بانياس بالفعل.
لم يعتذر الرجل، بل زاد من حده استخفافه بعقول المشاهدين، فهو مرة يكذّب الخبر ومرة يشكك في المصورات، وأود أن أعيد هنا أن هذا الرجل محام منوط به بالأصل الدفاع عن المستضعفين.
من المهم أن نتعرف على أعمدة الإعلام الفاجر أو الوقح، وأهم أركانه التي أشرنا إليها في دراستنا النظرية للحالة، ثلاثة أركان مباشرة، ومثلها غير مباشرة، وأعتقد أنني سأكتفي بالأركان المباشرة منعاً للإطالة:
الأول: مجموعة من المتحدثين يظهرون على المرئيات، يحاولون تشويه الخصم بشكل مباشر، والدفاع عن صاحب الرسالة الإعلامية، كما يهددون بشكل مبطن كل من يخالف آرائهم، ومن ذلك إجماع الأساتذة طالب إبراهيم، وشريف شحادة، وعصام التكروري، وغيرهم على أن المتظاهرين مندسون أو إرهابيون وذلك من باب التشويه، وإجماعهم على جدية الخطة الإصلاحية للحكومة من باب الدفاع عنها، وتلميحهم بالتهديد والوعيد، بأن الشعب السوري طلب من الحكومة الدخول إلى المدن وسحق هؤلاء الحثالة، هذه الكلمة بالذات مرة في مداخلة للسيد بسام أبو عبد الله، الذي يقال عنه أنه درس القانون. ثم توالت كلمات أخرى منها: قتلة وإرهابيون ومجرمون..الخ.
السيد إلياس مراد، سئل عن إقالة السيدة سميرة المسالمة من رئاسة تحرير صحيفة تشرين، فأجاب إن إقالة المسالمة يثبت أن قطار الإصلاح قد بدأ في سوريا فعلاً، وهو بذلك ومن حيث لا يدري أساء إلى القيادة التي يدافع عنها فهي التي أصرت على وضع المسالمة في هذا المنصب وجنبتها المحاسبة عندما انتقدت مجلس الشعب السوري.
الأستاذ طالب إبراهيم، صرخ من شاشة الجزيرة مرات عديدة، متسائلاً، “من هؤلاء القناصة الذين يقتلون الناس، لا بدّ للجيش من إيقافهم فهم يطلقون النار على المدنيين وعلى قوات الأمن”، فتناثرت المصورات على الشابكة “النت” لتكشف هويات القناصة الذين كانوا على سطح بيت المحافظ في درعا، وعلى أسطح المؤسسات الحكومية في كل المدن التي اندلعت فيها الاحتجاجات، فضعف الرجل وعدم قدرته على تمثيل الإعلام الفاجر الذي يقوده أدى إلى أن يتثبت الناس من أن القناصة هم من رجال الأمن وإلا فكيف لا يتواجدون على أسطح المباني الحكومية.
الثاني:نستطيع أن نطلق على الركن الثاني مصلح جيش المرتزِقة ( Mercenaires) وهم أقل انتشاراً من الركن الأول فيما يتعلق بالفضائيات فهم غير قادرين على التكلم بمستوى نقاشي لا دفاعاً ولا هجوماً، وتكمن أهميتهم، بانتشارهم في فضاء الشابكة( النت) وهم يقومون كأصحابهم بتشويه الخصم وتخوينه، ولكن خاصة بتهديده بطريقة واضحة وفجة، ويتميز هؤلاء ببذاءة اللسان، والغياب التام للمنطق أو القدرة على المحاورة، وهم عادة لا يقرؤون ما يكتبه مخالفوهم في الرأي، بل يقرؤون فقط اسم الكاتب ثم ينهالون عليه بأقذع الألفاظ، شتماً وتخويناً وتهديداً، ومن ذلك بأن رد بعض المعلقين على بيان الفنانين السوريين الداعم لفك الحصار عن درعا، بأن طلبوا من النساء اللاتي وقعن على ذلك البيان أن يتوجهن إلى درعا وإرضاع أطفالها ورجالها.
كما استخدموا برامج التصوير لوضع رسم رأس المعارضين على صور كلاب وخنازير، وفوق ذلك نشروا تهديدات عديدة، مثل تعليق أحدهم “يمكن هذا الواطي اشتاق للكبل الرباعي”، وآخر يسب أم وأخت وبلد وقرية صاحب مقال، أؤكد أنه لو قرأه مرة واحدة لوجده مؤيداً.
الثالث : مجموعة معتدلين ظاهراً لكنهم ركن ركين من أعمدة الإعلام الفاجر، ينسبون لأنفسهم الاعتدال السياسي( Modérantisme) ولكن المصطلح الذي تم اختياره من خصومهم هو ( Escroc) ويعني في العربية إلى حدّ ما نصاب أو محتال. يعرّف بعض المهتمين بالشأن الإعلامي هؤلاء المجموعة بأنهم يتعاونون بشكل أو بآخر مع المجموعتين السابقتين، من خلال نشر وترويج ما تريده المجموعة الأولى خاصة والتي تعد عصب الفجور الإعلامي. وإليكم المثال:
تقوم المجموعة الأولى في حالة سوريا باتهام المحتجين بالسلفية، والطائفية، وتحذرهم من التظاهر. على الفور تقوم المجموعة الثالثة بدعوة الناس إلى الهدوء، وتبين بلطف وبلغة أنيقة مخاطر الطائفية على الوحدة الوطنية، ولكنها تقوم بنفس الوقت بتأكيد وجود الطائفية في المظاهرات بما يعني دعوة الناس إلى عدم التظاهر بسبب وجود احتمال الفتنة، فترى بعض الجمل في مقالات هؤلاء من قبيل، كيف ستتظاهر مع أعداء الوحدة الوطنية؟، هل تقبل أن تكون طائفياً؟ وليدللوا كما يدعون على فكرتهم، ينشرون شعارات طائفية بالطبع بقصد نشرها خدمة للإعلام الفاجر وليس للتحذير منها، إذ يعتمد هذا الإعلام أساساً على نشر الفكر الطائفي.
ترى في بيانات هؤلاء الناس ادعائهم الوسطية، أو أنهم لا يحبون النظام، ولكنهم لا يريدون من هو أسوأ منه، ولا يريدون أن تحكمهم القوى السلفية، وهم يعلمون بالطبع عدم وجود السلفية وعدم وجود الطائفية ولكنهم يريدون من خلال هذه الأساليب خداع بعض مستقبلي الرسالة الإعلامية.
نتائج مؤكدة لعمل الإعلام الفاجر
المستوى الإعلامي الضعيف الذي يميز هؤلاء والتناقض الصارخ، والكذب المكشوف فيما يقولون يلعب دوراً حاسماً في ابتعاد الجمهور عنهم وعدم تصديقهم بل واحتقارهم، وقد رأى العالم أجمع تلك الشعارات واللافتات التي حملها المتظاهرون ضد هؤلاء والتي أطلقت عليهم مصلح “بوق”. بل ووصل الأمر في حالة خالد عبود بأن أهالي درعا، وأهالي قريته”النعيمة” يتبرؤون منه ويسمونه “أبو المربعات” ويرفقون اسمه، بكلمة “أزعر”. فالإعلام الفاجر لا يستطيع أن ينتصر بحال أو أن يحقق أي هدف على المدى الاستراتيجي، بل يعرض نفسه ومن وراءَه للفضيحة دائماً، ويسهم هذا النوع من الإعلام بسقوط أركانه، كما يسهم بضعضعة أصحاب الرسالة الإعلامية المختبئين خلفه، والأنكى أنه يقوم بهذه “المجزرة” بحق من يحميه من الدقائق الأولى لعمله.
ولنتذكر أن الأستاذ طالب إبراهيم قال من على شاشة الجزيرة، من أن عدم إطلاق النار على المتظاهرين في “جمعة الحرائر” يؤكد أن العملية العسكرية ضد الإرهابيين قد نجحت وأنه لم يتبق سلفيون في البلاد، في الوقت الذي سمع العالم كله، أن الرئيس السوري بشار الأسد كان قد أمر بعدم إطلاق النار على المتظاهرين، فماذا فعل إذاً طالب إبراهيم بأولئك الذين يدافع عنهم؟.
أكد بشدة أنهم هم الذين يقتلون المحتجين. وهكذا فعل التكروري في مسألة مصورة البيضا، إذ أنه لم يقبل بحال أن يفعل الأمن السوري مثل هذه الجريمة، وأثنى على أخلاق رجال الأمن والجيش الوطني، فماذا فعل إذً بهذا الجيش لما ثبت تورطه بهذه الفضيحة؟ لقد فضحه أكثر من الفضيحة نفسها.