الاستثمار الأميركي في الصراع السوري/ ماجد الكيالي
لا أعتقد أن ثمة مفاجأة فيما يخص التسريبات المتعلقة بالتوافقات الأميركية ـ الروسية، ذلك أن موقف الولايات المتحدة منذ بداية الثورة السورية وحتى الآن لم يتسم لا بالوضوح ولا بالحسم، وإنما اتسم بالمراوغة، والتملص، والتراجع. وقد شهدنا بعض مواقف أميركية مساندة للثورة ولهدف اسقاط النظام، على الصعيد الكلامي، لا سيما مع حديث الرئيس الأميركي باراك أوباما وأركان إدارته عن أن الرئيس السوري فقد شرعيته، وأن عليه أن يرحل، ومع النشاط الملحوظ لسفير الولايات المتحدة الأميركية في دمشق الذي زار المعتصمين في حماه كما قام بزيارات الى المناطق الساخنة في دمشق مثل داريا ودوما.
فيما بعد، وبخاصة بعد صفقة الكيماوي (آب 2013) تغير الموقف الأميركي وبدا مهاوداً، أو بدا وكأنه يحاول أن يلعب على كل الاتجاهات، أي باتجاه النظام، وباتجاه المعارضة، حتى وصلنا إلى اللحظة التي بات فيها كيري، وزير الخارجية الأميركي، يتحدث عن تعاون أميركي ـ روسي في الحرب ضد الإرهاب في سوريا، بالتعاون مع روسيا، ومع ترحيل الحل السياسي، الذي بات يتضمن بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية.
هكذا، ومع أن هذا الكلام الأميركي لا يحمل جديداً، إلا أنه يكشف، مرة أخرى، حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة الأميركية لا يعنيها من يحكم في سوريا، سواء كان شخصا أو حزبا، وسواء كان يساريا أو قوميا أو إسلاميا، كما لا يعنيها ما يحصل في هذا البلد، إذا استثنينا ما يخص قضية الصراع مع إسرائيل. ويمكن تفسير ذلك بعدة أسباب، أهمها:
أولاً، أن هذا البلد لم يكن محسوباً طوال العقود السابقة، ضمن دائرة حلفائها التقليديين، لذا فهي لا تشعر بخسارة ما في هذا المكان.
ثانياً، أن مصالحها مضمونة بغض النظر عن طبيعة النظام الحاكم، سواء كانت مصالح سياسية أو اقتصادية أو أمنية، وهو ما يمكن تبيّنه من مراجعة السياسات التي انتهجها النظام السوري طوال المرحلة الماضية، بغض النظر عن كل الشعارات أو الادعاءات.
ثالثاً، أن هذا البلد صغير وفقير الموارد، وتنبع أهميته من موقعه الجغرافي، ومن جواره مع إسرائيل.
بيْدَ أن هذه الأسباب لوحدها لا تكفي لتفسير المواقف التي انتهجتها الإدارة الأميركية، لأن أركان هذه الإدارة، من رئيسها باراك أوباما، إلى سفيرها السابق في سوريا روبرت بتفورد، مرورا بوزير خارجيتها جون كيري، لطالما أدلوا بتصريحات تقول إن الأسد فاقد للشرعية، وأن عليه أن يرحل. لا بل إن هذه التصريحات، التي رافقت بدايات الثورة السورية، قبل قرابة خمسة أعوام، قد يمكن اعتبارها أحد أهم العوامل التي شجّعت السوريين على الاستمرار بثورتهم، وربما كانت من أهم عوامل تحول بعض الجماعات نحو العمل المسلح ضد النظام، مع عوامل أخرى. وفي الواقع فإن تعامل إدارة أوباما مع المسألة السورية ظل ملتبسا، ويحمل إشارات متعددة، فهي من جهة تساند الثورة السورية، ومن جهة أخرى لا تفعل شيئا، من الناحية العملية، لا في ما يتعلق بوقف القتال في سوريا، أقله بواسطة القصف بالبراميل المتفجّرة، ولا لتمكين «الجيش الحر« من الدفاع عن نفسه بواسطة مضادات للطيران، مثلا. وهي مع بيان جنيف 2012، بخصوص التأسيس لمرحلة انتقالية، تتشكل فيها هيئة تنفيذية كاملة الصلاحيات، ولكن ليس لديها مشكلة مع بقاء بشار الأسد، إبان تلك المرحلة. هي ضد الوجود الإيراني والروسي في سوريا، ولكن لا مانع لديها من مشاركتهم في إيجاد حل للمسألة السورية.
على ذلك فإن السياسة التي تنتهجها الإدارة الأميركية إزاء سوريا، في هذه المرحلة، تتأسس على الاستثمار في المسألة السورية، وهذا يختلف عن إدارة الأزمة، لأنها في حقيقة الأمر، ومن الناحية العملية، تشجع كل الأطراف على المجيء إلى سوريا، وعلى تحويل سوريا إلى ساحة للمواجهة أو للصراع، في حين تجلس هي في مقاعد المتفرجين، أو في مكانة الحكم بين الأطراف.
ولعل الإدارة الأميركية تشتغل هنا بناء على فكرتين مفادهما؟
أولاً، ترك الآخرين يتقاتلون فيما بينهم ويستنزفون بعضهم، بما يشبه مقولة «دع العرب يتقاتلون»، والمقصود هنا إيران وتركيا وروسيا والسعودية، وغيرها من الدول العربية، ومثالها وصول إلى حافة الحرب بين روسيا وتركيا، بعد حادثة إسقاط الطائرة.
وثانياً، أن كل الأطراف، بعد أن تكون أُنهكت واستنزفت، ستلجأ في الأخير إلى الولايات المتحدة، باعتبارها صاحبة القوة الأكبر، وباعتبارها الحكم. طبعا، وفي ذات السياق، لا يمكن أن ننسى القطبة المخفية (أي الإسرائيلية)، في هذا الأمر، إذ أن أغلب المؤشرات تفيد بأن إسرائيل هي أكثر دولة مستفيدة من بقاء الأمور على ما هي عليه في المنطقة، ولا سيما في سوريا. هكذا يبدو أن معظم الأطراف تستثمر في «داعش«، وفي الصراع الدائر في سوريا، كلّ بطريقته وبحسب أجنداته، وهذا ينطبق بشكل خاص على الولايات المتحدة.