صفحات العالم

عقرب

 

حـازم الأميـن

يُظهر شريط على “يو تيوب” امرأةً ناجيةً من مجزرة حصلت في بلدة عقرب السورية في ريف حماة وذهب ضحيتها أكثر من مئة قتيل معظمهم من الأطفال والنساء. وفي سلسلة المجازر التي شهدتها سورية في الأشهر الأخيرة تبدو عقرب محطة مختلفة، على الرغم من اشتراكها مع شقيقاتها السوريات في منسوب العنف والدماء.

الضحايا في عقرب هم من أبناء الطائفة العلوية، أما المرأة الناجية، والتي لجأت إلى بلدة يسيطر عليها “الجيش الحر” ضمن عدد من الناجين، فقالت إن “شبيحة عقرب” هم من ارتكبوا المجزرة بأهلهم. كان نوعاً من الانتحار الجماعي ما أقدم عليه هؤلاء خوفاً من “الجيش الحر” الذي كان باشر باقتحام البلدة. يصعب على المرء ان يُصدّق الرواية. وجه المرأة التي نقلتها لا يوحي بأنها لا تقول ما تعتقده حصل. والعنصر من “الجيش الحر” الذي كان إلى جانبها لا تبدو عليه الشِّدة، والوقائع التي تسردها السيدة متماسكة لجهة تلقائيتها، ولا يظهر عليها أي أثر تلقيني. وعلى الرغم من ذلك تبدو الرواية صعبة التصديق. أسماء المرتكبين المنتحرين تقفز من فم السيدة على نحو بديهي، والوقائع المرافقة يحفّها وجه امرأة كانت على وشك الموت. لكن كيف لنا تصديق أن “الشبيحة” قتلوا أهلهم وانتحروا؟

وقائع أخرى يجري البحث عنها لفهم ما حصل في عقرب. فهي بلدة مجاورة للحولة التي شهدت مجزرة مشابهة قبل نحو أشهر، واتُهم بالمشاركة في مجزرة الحولة “شبيحة” من عقرب. إذاً احتمال الانتقام أمر ممكن، لكنّ احتمالاً آخر لاح، يتمثل في ان “شبيحة” عقرب شعروا باقتراب “الجيش الحر” منهم فقرروا أن نساءهم يجب ان يمتن على أيديهم خوفاً من “انتقام أهل الحولة”. ما يُعطي هذا الاحتمال فرصاً في أن يكون حقيقة، هو المستوى الهستيري الذي وصل إليه منسوب الخوف في سورية.

فطقس الانتحار الجماعي يصبح ممكناً في وضع هذياني قد يصيب مجموعة ممن يشعرون بأن العنف الذي مارسوه على وشك ان يُمارس عليهم. ويبدو والحال هذه أن البحث عن حقيقة ما جرى قبل مجزرة عقرب ضربٌ من العبث. من هو الفاعل؟ الخائف أم المُخوِّف؟ من هي الضحية، أهل عقرب أم أهل الحولة؟ ثم إن انتحاراً جماعياً أقرَّ بحصوله عشرات من الناشطين المعارضين، سيُفضي إلى انحياز لمن أقدم عليه، ففطرتنا تدفعنا إلى أن نكون إلى جانب الخائف، لكنه في حالة عقرب خائف لأنه مرتكب! إنه اختبار إنساني نادر من دون شك.

لكن مجزرة عقرب لم تجد مكاناً لها في إعلام السلطة في سورية، وهذا سبب آخر للذهول. “فالجيش الحر” بثَّ شريط السيدة الناجية عبر “يو تيوب” ظناً منه بأن النظام سيستغل المجزرة لتصويره قاتلاً ومرتكباً المجازر. النظام صمت حيال المجزرة. لم يأتِ على ذكرها في إعلامه. ومن المرجح أن يكون صمته حولها تجنباً لئلا يُفسَّر حصولها كبداية لعجزه عن حماية الأقليات! إذاً أهل عقرب قُتلوا ثلاث مرات. الأولى انتقاماً والثانية انتحاراً والثالثة تجنباً لئلا يظهر النظام ضعيفاً.

موقع لبنان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى