صفحات العالم

الامتحان الأميركي بين سوريا 2012 وأفغانستان 1980


ديفيد اغناسيوس

تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها في سوريا اليوم على برنامج الدعم السري للمقاتلين، وهو أمر، سواء كان للأسوأ أو للأفضل، يحاكي ما كانت تفعله أميركا وأصدقاؤها في أفغانستان خلال الثمانينيات.

التشابه بين الحالتين مقلق. في سوريا، كما في أفغانستان، يعمل عناصر الاستخبارات الأميركية عند الحدود على مساعدة المقاتلين السنة لتحسين مستوى قيادتهم وسيطرتهم على الموقف. الأسلحة كانت تأتي من طرف ثالث (في أفغانستان كانت من الصين ومصر، في سوريا من السوق السوداء). وفي النهاية كان الممول الأكبر لحركات التمرد في الحالتين المملكة العربية السعودية.

أضف إلى ذلك وجود صورة تجمع بين الحملتين في أفغانستان وسوريا: الأمير بندر بن سلطان، الذي عمل سفيراً للرياض في واشنطن في الثمانينيات على تمويل القتال ودعمه في أفغانستان، واليوم هو رئيس للاستخبارات السعودية يعمل على تشجيع العمليات الدائرة في سوريا.

ولكن ما الجدوى من هذه المقارنة التاريخية؟ من الناحية الإيجابية، يبدو أن المجاهدين الأفغان ربحوا الحرب وأسقطوا الحكومة المدعومة من روسيا. ولكن من الناحية السلبية، فتح هذا الانتصار المدعوم من «السي آي إيه» الباب على عقود طويلة من الفوضى والتطرف الجهادي التي ما زالت تهدّد أفغانستان وجيرانها، حتى الولايات المتحدة.

وللأمانة لا بدّ أن نشير هنا إلى ان إدارة أوباما تدرك المخاطر الماثلة في سوريا، وهذا ما جعلها أكثر تردداً وحذراً في الانخراط. ولكن ما يجري في سوريا اليوم هو من نوع الحروب التي يجرّ فيها الانخراط مهما كان محدوداً إلى انخراط أكبر وأكبر.

ماذا يعلمنا التاريخ إذاً من هذا النوع من التدخلات؟ في التالي ثمة بعض النقاط لا بد أن تؤخذ بالاعتبار لأن الحرب السرية التي تغطيها أميركا في سوريا بدأت تنضج:

– لا بدّ أن تحذر أميركا من دعم الاستراتيجية السعودية، لأن الرياض تسعى وراء مصالحها الخاصة. لا شك بأن السعوديين يفضلون أن يكون حراك السنة المعارضين للأنظمة الديكتاتورية خارج حدود المملكة، ودمشق بعيدة بما يكفي عن الرياض.

– لا بدّ أن تحذر أميركا كذلك من احتضان الحراك السوري المقسوم بين السنة والشيعة. صحيح أن الغضب ضدّ الشيعة وأسيادهم الإيرانيين كان مفيداً لأميركا وإسرائيل في حشد المعارضة السنية ضدّ نظام الأسد العلوي الذي يعدّ جزءاً من الهلال الشيعي، ولكن هذه اللعبة أقل ما يقال عنها إنها سامة ومدمرة. فهي سبق ودمرت لبنان والعراق وتغرق سوريا اليوم في جحيمها. وهنا أيضاً يودّ السعوديون والبحرينيون أن يحاربوا الشيعة بعيداً عن ديارهم. وعليه، لا يجدر بأميركا دعم الجانب المذهبي في هذا الصراع.

– على الولايات المتحدة أن تعمل جاهدة (إن كان في السرّ) على دعم العناصر الأكثر عقلانيّة في المعارضة السورية وتحدّ من نفوذ المتطرفين. هذه المحاذير لم تؤخذ بالاعتبار في أفغانستان، حيث سمحت واشنطن لباكستان (بمساعدة الأموال السعودية) بأن تدعم المجاهدين الذين تحوّلوا إلى الأكثر تطرفاً وخطورة. وأميركا ما زالت حتى الآن تحاول التراجع عن الفوضى التي خلّفتها سياسة الأمر الواقع في تلك الفترة.

– في النهاية، ينبغي على الولايات المتحدة أن تلعب البطاقة القبلية بمهارة، والتي يمكن أن تكون حاسمة في سوريا كما الحال في العراق. وكان العديد من زعماء القبائل السنية قد تعهدوا بالانتقام من الأسد، وقوتهم كانت وراء الحراك الذي حصل في المناطق السنية والريفية تحديداً. وقد أظهرت التجربة العراقية أن زعماء القبائل بإمكانهم أن يكونوا عنصر وقاية فعالاً في وجه تنامي نفوذ تنظيم «القاعدة» والمتطرفين الآخرين.

يستحق المقاتلون في سوريا اليوم دعماً محدوداً من الولايات المتحدة، بالضبط كما كان الحال مع المجاهدين ضدّ الاتحاد السوفياتي في أفغانستان خلال الثمانينيات. ولكن الحذر واجب: هذه الطريق تنطوي على خطر الفوضى والتطرف الذي قد يهدّد جيلاً بأكمله إن لم تتصرف الولايات المتحدة وحلفاؤها بحكمة.

ديفيد إغناسيوس

Washington Post

ترجمة: هيفاء زعيتر

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى