صفحات العالم

الامم المتحدة أقفلت أبوابها أمام حلّ الازمة السورية


حرب رهانات خارجية تواكب حرب استنزاف طويلة

    روزانا بومنصف

وافقت الجمعية العمومية للأمم المتحدة قبل يومين بغالبية 133 صوتاً من اصل 193 تتشكل منهم الجمعية على ادانة الحكومة السورية على ما تقوم به مطالبة بانتقال سياسي في سوريا. ويأتي هذا القرار بناء على مشروع اعدته المملكة العربية السعودية من اجل وضع المجموعة الدولية امام مسؤولياتها بعد فشل مجلس الامن الدولي في الاتفاق على قرار يساهم في وضع حد لما يجري في سوريا. وهذا اللجوء الى الجمعية العمومية للامم المتحدة هو الثاني الذي تقوم به الدول العربية بعدما كانت الجامعة العربية قد تقدمت بمشروع قرار يتضمن مطالبة الرئيس السوري بشار الاسد بالتنحي في 16 شباط من السنة الجارية ونتيجة عجز الدول الكبرى عن التوافق في مجلس الامن نتيجة الفيتو الصيني والروسي الذي استخدم ثلاث مرات متواصلة في الموضوع السوري واستمرارا لدعم النظام. والمفارقة في القرار الثاني للجمعية العمومية انه  وبعد تعديل في بندين اساسيين فيه يتعلقان بفرض عقوبات على النظام والمطالبة الصريحة بتنحي الرئيس السوري حصل على حجم التصويت نفسه تقريباً الذي حصل عليه القرار السابق قبل أشهر قليلة. اذ ان المعارضة للقرار السابق كانت 12 دولة وبقيت مع التصويت على القرار الأخير قبل يومين 12 دولة وبعد مرور خمسة اشهر على القرار الاول فيما صوت مع القرار في المرة الاولى 137 دولة لقاء 133 في القرار الاخير وامتناع الدول الباقية من 193 اي حوالى 30 او 31 دولة. والمغزى من ذلك هو جملة امور من بينها ان بقاء النظام او استمراره يحظى بالقلة القليلة في المجتمع الدولي التي لا تزال تدافع عنه وهو لم يربح اي دولة الى جانبه على رغم كل ما قيل عن اصلاحات اجريت، كما ان الفريق الحليف الداعم له اي روسيا والصين لم يستطع ان يؤمن له حشداً أكبر او انه لم يفعل في الكباش الجاري دولياً حول سوريا باعتبار ان القرار في الجمعية العمومية يستهدف احراجهما معا واظهار مناهضتهما للتيار الدولي الواسع وليس للولايات المتحدة او للعرب فحسب. وقد زاد  الاحراج ان كوفي انان قدم كخلاصة للمساعي التي اجراها فيما ارادت له روسيا والصين ان يستمر فيها “ان على الرئيس السوري الرحيل عاجلاً او آجلاً” بما يشي باتهامهما باطالة امد الازمة مع استمرار دعم النظام.  ثم  ان الفرز على مستوى مجلس الامن في ظل استمرار روسيا والصين على موقفهما الداعم للنظام واستخدامهما الفيتو ضد اي قرار في غير مصلحته ينسحب على الفرز على مستوى الجمعية العمومية لجهة ما يعنيه من استمرار الانقسام الدولي على كل المستويات في الأمم المتحدة بما يستمر في تعطيلها على رغم ان اهمية قرار الجمعية العمومية رمزي ومعنوي ليس الا، ويؤكد ان الكفة الدولية ترجح ضرورة رحيل الرئيس السوري.

هذه التطورات الاخيرة شكلت  التوظيف الاقصى لمؤسسات الامم المتحدة بما فيها للجمعية العمومية في موازاة الشلل الذي أصاب مجلس الامن الدولي وتقديم الموفد الاممي العربي الى سوريا كوفي انان استقالته من مهمته نتيجة الفشل في انجازها، على رغم انها كانت “مكتوبة على الجدران منذ بعض الوقت”، كما يقول مطلعون، باعتبار ان مؤشرات الفشل كانت موجودة وهي تأخرت ولم تكن مفاجئة وقد سبقه الى الاستقالة  مساعده جان ماري غيهينو. ومع ان أياً من الدول لن يسلم صراحة بان الطريق عبر الامم المتحدة بات مقفلاً في ما يتعلق بالازمة السورية حتى اشعار آخر يتمثل في تغيير جوهري في المواقف الدولية ، فان ما تخشاه مصادر ديبلوماسية معنية هو ان تدفع الاستهانة بآلية الامم المتحدة وبامكانات توظيفها لانهاء الامور سلمياً في سوريا  الرهانات الخارجية  الى اقصاها على التطورات الداخلية على صعد عدة من بينها في شكل اساسي:

الرهان على حسم احد طرفي المعركة الجارية على الارض الحرب لصالحه علما ان كل المعطيات والمعلومات تفيد بصعوبة كسب النظام للمعركة لاعتبارات مختلفة واساسية  وعدم قدرته حتى لو كسب المعركة على حلب والعاصمة استعادة القدرة على الحكم او السيطرة في أحسن الأحوال. لكن التقديرات ترجح حرباً استنزافية طويلة  بخسائر كبيرة. والكلام على  “صمود” الرئيس السوري لا يجعلها اقل تأثيرا بل على العكس من ذلك. ولذا تتناول الاسئلة في شكل اساسي ما هي الخطة “ب” في استراتيجية الرئيس السوري حتى لو استطاع حسم الامور في حلب لمصلحته باعتبار ان هذه الخطة لم تتوافر لدى حسمه الامور لمصلحته في بابا عمرو لا بل ان الوضع ازداد سوءاً في حين ان استمرار امد الحرب في الداخل بات واضحا انه في غير مصلحته على كل الصعد. والكلام على انسحاب الرئيس السوري مع اركان طائفته الى المنطقة العلوية على الساحل السوري لا يبدو محتوما، في رأي هذه المصادر، على رغم امكان حصوله باعتبار انه وصفة اخرى لحرب طويلة قد تمتد لسنوات.  لكن الكلام عن احتمالات  التقسيم وامكان وروده يشبه الى حد كبير ما مرت به الازمة اللبنانية على هذا الصعيد خلال الحرب حين كان التقسيم من بين الاحتمالات المتداولة بين مد الحرب الطويلة وجذرها، علما ان لبنان لم يكن يحتمل ذلك ليس لصغر حجمه قياسا الى حجم سوريا لكن للتغييرات الجذرية لمثل هذا الاحتمال في المنطقة.

الرهان على وعي النظام والمحيطين به لواقع الامور على الارض او توسط الدول المؤثرة عليه من اجل العمل لاستراتيجية خروج عبر مبادرة من المحيطين به من العسكر في شكل اساسي وغير الملوثة ايديهم بالدماء، ويفضل ان يكون هؤلاء من الطائفة العلوية، الى الاقرار بانه لا يمكن متابعة الحرب الداخلية على هذا النحو وان ما يجري هو حرب لا يمكن ان يربح فيها فريق النظام على المديين المتوسط والبعيد لاعتبارات متعددة لا مجال للدخول فيها لانه لا امكان للعودة الى الوراء كيفما كانت الامور. واطالة امد الازمة ستجعل الامور اكثر صعوبة من دون ضمان حصول مكاسب في المقابل. وهذا الاقرار يمكن ان يمهد لبدء الاعداد  لتسوية يكون الرئيس السوري خارجها لكنها تساهم في حصر الاضرار التي اصابت مؤسسة الجيش في شكل اساسي ويمكن ان تستوعب ايضا الشرخ بين الطائفتين السنية والعلوية.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى