البحث عن التأثير على سوريا
ديفيد شينكر وأندرو جيه. تابلر
أثناء خطابه في 19 مايو/أيار حول الشرق الأوسط، حدد الرئيس الأمريكي أوباما هدف السياسة الأمريكية في سوريا بمطالبته الرئيس بشار الأسد إما بقيادة مرحلة التحول السياسي أو “الرحيل”. ولا يظهر الرئيس الأسد حتى الآن أي اهتمام بالخيار الأول — فقد بلغ عدد القتلى 1600 شخص، ولا تزال الأعمال الوحشية والاحتجاجات الواسعة النطاق مستمرة. ولكي يتم إرغام الأسد على التنحي أو إحداث تصدع في النظام السوري يتعين على الولايات المتحدة السعي مع حلفائها إلى زيادة الضغط الاقتصادي والعزلة الدولية التي يواجهها النظام ودعم التحديات المحلية الماثلة أمامه. وبغية تحقيق هذه الأهداف، لدى واشنطن عدد من أساليب الضغط الثنائية والمتعددة الأطراف، سواء كانت اقتصادية أم دبلوماسية.
أساليب الضغط الأمريكية والدولية
من أجل التأثير على حسابات الأسد ومن يدعمونه، يتعين على الولايات المتحدة زيادة العزلة الاقتصادية والدبلوماسية للنظام، وإضفاء الثقل الدولي على التحدي المحلي الذي يواجهه هذا النظام. إن المظاهرات المستمرة والإجماع الدولي المتنامي يمنحان واشنطن مجموعة واسعة من الخيارات للقيام بذلك.
الضغط الاقتصادي
استهداف الطاقة السورية. شهد إنتاج سوريا من النفط تراجعاً ثابتاً منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي ويبلغ حالياً نحو 390,000 برميل يومياً. وتُصدِّر سوريا نحو 148,000 برميل يومياً، وتحقق إيرادات تذهب مباشرة إلى الدولة. ووفقاً لـ “صندوق النقد الدولي”، تمثل مبيعات النفط نحو ثلث إيرادات الدولة، فيما تتكون النسبة المتبقية بشكل متزايد من ضرائب العاملين في الشركات والقطاع العام. ومع تسبب الاحتجاجات في خفض إيرادات الضرائب، فمن المرجح أن تعتمد دمشق بشكل متزايد على إيرادات النفط، مما سيجبر النظام السوري على استغلال الاحتياطيات و/أو اللجوء إلى الإنفاق بالعجز. وسوف يعمل هذا بدوره على تقييد قدرة النظام على الحفاظ على دعم السوق (من خلال دعم وقود الديزل، على سبيل المثال) وتسوية الديون مع شبكات الرعاية.
وبناءاً على ذلك، يتعين على إدارة أوباما حث المشترين الرئيسيين للنفط السوري — وهم ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وهولندا — على وقف شراء النفط الخام الثقيل من النظام. كما ينبغي عليها الضغط على شركات الطاقة المتعددة الجنسيات العاملة في سوريا — مثل رويال داتش شيل، توتال، آي. إن. إيه. نافتا الكرواتية، شركة النفط والغاز الطبيعي الهندية (ONGC)، تنجانيقا الكندية، صنكور، بيترو كندا، شركة النفط الوطنية الصينية (CNPC) وسينوكيم — للخروج من البلاد. وبالإضافة إلى ذلك، يجب عليها أن تطلب من بريطانيا وقف عمليات “غلف ساندز بتروليوم”، الشركة التي كان مقرها في هيوستون في وقت ما والمتخصصة في استخراج النفط الثقيل من الحقول المستنفذة. وقد انتقلت الشركة إلى بريطانيا في عام 2008 لتجنب العقوبات الأمريكية على رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد ورجل الأعمال الرئيسي في النظام.
استهداف الشركات المرتبطة بالنظام. يمكن أن تلعب انشقاقات النخبة دوراً رئيسياً في الضغط على النظام السوري إما لإبرام اتفاق مع الغالبية السنية في البلاد أو ترك السلطة. وحتى الآن كانت العقوبات الأمريكية الأكثر فعالية ضد سوريا هي تصنيف مخلوف. وتماشياً مع تلك الاتجاهات، يجب على واشنطن أن تفرض ثمناً على رجال الأعمال السوريين الآخرين الذين يواصلون تأييد النظام.
إن إحدى الطرق للقيام بذلك هي توسيع نطاق قائمة تصنيفات وزارة الخزانة الأمريكية التي تستهدف رجال الأعمال المقربين من النظام، والعديد منهم مستوردون حصريون لمجموعة واسعة من السلع في السوق السورية. وهذا لن يؤدي فقط إلى خلق تصدعات في التحالف التقليدي للنظام مع صفوة رجال الأعمال السنة، بل سيخفض أيضاً إيرادات الحكومة، حيث إن العديد من العائلات التجارية الكبرى تدفع حصة أكبر بشكل متزايد من إيرادات الدولة، من خلال ضريبة الشركات الموحدة البالغة 20 بالمائة.
تشجيع عقوبات إضافية أحادية الجانب. ينبغي على واشنطن أن تضيف [بعض الإجراءات] إلى مجموعة التدابير القوية والمتنامية ضد النظام من خلال دراسة فرض حظر على الاستثمارات الأمريكية وفقاً لـ “قانون محاسبة سوريا”. كما أن الاتحاد الأوروبي يدرس بدوره فرض قيود تجارية أقوى، على الرغم من أنه من غير المرجح فرض عقوبات متعددة الأطراف عن طريق الأمم المتحدة في هذه المرحلة. ولأجل زيادة الضغوط بشكل أكبر، يجب على واشنطن أن تحث تركيا، شريكة سوريا التجارية الأولى، على إقرار عقوبات تجارية (باستثناء الأطعمة والأدوية، كما تفعل الولايات المتحدة). كما يجب عليها أن تضغط على دول الخليج العربي — لا سيما قطر والكويت والمملكة العربية السعودية — للحد من استثماراتها التجارية في سوريا، والتي كانت شريان الحياة لنظام الأسد الذي يعاني ضائقة مالية في السنوات الأخيرة.
العزلة الدولية
إحالة الأسد إلى “المحكمة الجنائية الدولية”. يجب على واشنطن أن تضغط على مجلس الأمن الدولي من أجل إحالة الأسد وكبار مسؤولي الأمن في النظام المسؤولين عن ارتكاب الفظائع إلى “المحكمة الجنائية الدولية”، التي مقرها في لاهاي. ونظراً لأن سوريا ليست من بين الدول الموقعة على “اتفاقية روما”، فلا تتمتع “المحكمة الجنائية الدولية” بالاختصاص القضائي عليها — وكما كان الحال مع ليبيا، فإن مجلس الأمن وحده هو القادر على إحالة سوريا إلى المحكمة، لكن المعارضة من الصين وروسيا تجعل مثل هذه الإحالة أمراً غير مرجح في الوقت الراهن. بيد أنه في حالة استمرار المجازر في سوريا، فإن قراراً بقيادة أمريكية وأوروبية لدعم تلك الإحالة قد يتجنب استخدام حق النقض.
تعيين مقرِّر خاص لحقوق الإنسان. على الرغم من أن الصين وروسيا قد تعارضان ذلك، إلا أنه ينبغي على واشنطن الضغط على “مجلس حقوق الإنسان” التابع للأمم المتحدة من أجل تعيين مقرِّر خاص حول سوريا. وقد أخفق نظام الأسد حتى الآن في التعاون مع المجلس. إن مجرد عقد مناقشات لتعيين مقرِّر سيكون بمثابة نقطة إزعاج لدمشق وسوف يبقي قضايا حقوق الإنسان في دائرة الضوء.
تعزيز العلاقات مع المعارضة. إن المشاركة المتزايدة مع المعارضة السورية قد يعود بنتائج عكسية على واشنطن. وفي الحد الأدنى، يجب على الإدارة الأمريكية أن تلتقي بصورة روتينية مع زعماء المعارضة الذين يحظون بالاحترام (الشخصيات المنفية، والرموز الكائنة في سوريا متى كان ذلك ملائماً)، وتشجيع تركيا على مواصلة استضافة مؤتمرات المعارضة ودراسة الاعتراف بحكومة في المنفى في حالة تأسيس واحدة كهذه.
التركيز على “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”. خلال الأسابيع الأخيرة أصدرت واشنطن بياناً يوضح تفاصيل الجهود التي يبذلها نظام الأسد لبناء منشأة غير قانونية لإنتاج الأسلحة النووية. يجب على الإدارة أن تواصل الضغط العام على دمشق جراء هذا التجاوز، وأن تسعى إلى إحالة التحقيق الذي تجريه “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” عن المفاعل إلى مجلس الأمن الدولي من أجل اتخاذ إجراء حياله.
تعزيز التحديات الداخلية
التعجيل من تفكك الجيش السوري. يتعين على الولايات المتحدة، بالتعاون مع تركيا والأردن، أن تواصل العمليات الاستخباراتية القائمة على الحوافز في سوريا، من خلال تشجيع ضباط الجيش على الانشقاق أو، على أقل تقدير، تجنب التورط في جرائم النظام ضد الشعب. وكلما زادت سرعة تفكك الجيش، قل معدل ارتكاب الفظائع وقلت احتمالية تحول الصراع إلى حرب أهلية.
المواءمة مع الشعب السوري. إن البيانات الصادرة عن كبار المسؤولين الأمريكيين دعماً للشعب السوري سوف ترفع المعنويات وتشجع المزيد من المحتجين على الخروج إلى الشوارع، وتعجل من ظهور مظاهرات واسعة النطاق في حلب ودمشق التي من شأنها أن تمنح فرصة أفضل للإطاحة بالنظام.
الخاتمة
تشير التطورات على أرض الواقع في سوريا إلى أن النظام في طريقه إلى الزوال. بيد أنه رغم الأحداث المروعة التي شهدتها الشهور الأخيرة، إلا أن إدارة أوباما لم تتخذ بعد القرار للانتقال إلى مرحلة ما بعد الأسد. ومؤخراً في 3 حزيران/يونيو، على سبيل المثال، تركت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الباب مفتوحاً بشكل غامض من خلال الإعلان عن أن شرعية النظام قد “انتهت تقريباً”. إن التصور الخاطئ بأن الولايات المتحدة تفتقر إلى أساليب التأثير على النظام قد يؤجج هذا التردد، نظراً إلى التاريخ الطويل لكن غير المجدي نسبياً للعقوبات الأمريكية ضد سوريا. إلا أن هذا التصور خاطئ: فالاستنكار الدولي الواسع لأساليب الأسد، إلى جانب التغييرات التي تجتاح المنطقة، كلها أمور توفر فرصاً جديدة للعمل ضد نظام الرئيس السوري. ورغم أن مهمة تغيير النظام تعتمد بشكل كلي على السوريين، إلا أن لدى إدارة أوباما مجموعة واسعة من الأدوات لزيادة الضغط على حكومة الأسد، وربما المساعدة على التعجيل بزواله.
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسات العربية في معهد واشنطن. أندرو جيه. تابلر هو زميل الجيل القادم في المعهد.