لم يصدر كتاب “البريكاريا الطبقة الجديدة الخطرة” مؤخراً، لكن الوقت مناسب جداً لقراءته. بعد أربعة أعوام على الأحداث التي قد نختلف أو نتفق في وصفها، وكان من بين مخرجاتها موسم الهجرة المروع إلى الشمال الذي نشهد عليه الآن، ربما يجدر إعادة التفكير في “الطبقة الخطرة” التي شكلت وقود الجحيم السياسي الذي دخلت فيه المنطقة ولن تنتهي حدوده عندها على ما يبدو.
في كتابه هذا (2011) يضع الاقتصادي البريطاني ستاندينغ غاي مصطلح البريكاريا ليصف طبقة البروليتاريا الجديدة في العالم، ويناقش الملابسات التاريخية والاجتماعية والسياسية وبشكل خاص الاقتصادية التي تحيط بتكون طبقة تضم ملايين البشر حول العالم.
تنامت البريكاريا مع تنامي فكرة النيو ليبراليون الداعية إلى رمي كل ما أُنجز بعد الحرب العالمية الثانية على صعيد حقوق العمال في النفايات، والبدء في التفكير جدياً بضرورات “مرونة سوق العمل” وتحريره من أثقال كثيرة والنظر إلى العالم بوصفه سوق كبير، تتدفق فيه الاستثمارات والدخول والوظائف بحسب مكان توافر الظروف المريحة لأرباب العمل.
تضمنت هذه الفكرة تحرير رب العمل من مسؤولية العامل، وإلقاء كاهل تأمينات الأخير الصحية والتقاعدية وضماناته الوظيفية على ظهره وحده. تنامي هذه الطبقة المطرد في أوروبا وأميركا مثلاً مرده عوامل كثيرة من بينها العولمة والهجرة بشكل أساسي.
قد يبدو كل هذا غير مرتبط بما يحدث في المنطقة، ولكن أفكار ستاندينغ، تدعو إلى التفكير في البريكاريا العربية والتي لم تسترعِ انتباه الاقتصاديين العرب، حتى بعد كل ما وقع، والتي تكونت ليس فقط بما مارسته الحكومات بل بما سمحت بممارسته.
يمكن وصف هذه الطبقة التي نمت مع مطلع التسعينيات لتشكل السواد الأعظم من شقين: الموظفين في القطاعات الخاصة، وهم فئة عاشت اقتصادياً وتمتعت بملكيات وهمية مرتهنة لقروض بنكية، تبدأ بأقساط مستقبل الأبناء ولا تنتهي بسيارته وشقته وضمانه الصحي.
لا ضامن لحياة وملكيات هذا الفرد الذي أصبح جزءاً من طبقة تورمت والتهبت بشكل كبير مع العقد الأول من الألفية الثالثة، طبقة لا يمكن وصفها بالفقيرة تماماً ولا متوسطة تماماً، فهي منزوعة الثبات، وفي ذلك قاسم تشترك فيه مع الطبقة الفقيرة التي تعيش خارج الوظيفة تماماً ولا تتمتع بأي دخل ثابت مهما كان حجمه.
هاتان الطبقتان كانتا مرشحتين دائماً لأن يتحوّل صراعهما الاقتصادي إلى صراع عام، بوصفهما أكثر عرضة للاستجابة للسياسيين الشعبويين والديماغوجيين.
بفكرة مرونة السوق التي تاجروا فيها منذ نهاية السبعينيات، فرض النيوليراليون على العالم أن يكون داروينياً، وأن يطبق سياسات الجحيم ويكون البقاء فيه للأقوى. وبالنتيجة فإن هذه الفئات التي لم تتمكن من مجاراة قوانين العمل الجديدة التي أملاها السوق، هي التي سُحقت وهي التي هتفت حشودها بالحرية.
لم يكن المقصود الحريات الاجتماعية ولا حرية الفرد أو حرية المرأة بلا شك، ولا هي تلك المرتبطة بحرية الممارسات السياسية وقطعاً ليست الحرية الدينية، الحرية التي كانت في الذهن هي تلك التي تفضي بشكل ما إلى معنى وتحسن اقتصادي يلمسونه حقاً في حياتهم اليومية.
العربي الجديد
