صفحات الرأي

البعد الاستراتيجي للصراع على سوريا في مجلس الأمن


مسعود ضاهر
ي الرابع من تشرين الأول 2011 سقط مشروع قرار تقدمت به فرنسا والمانيا والبرتغال وبريطانيا إلى مجلس الأمن لإدانة سوريا بعد فيتو مزدوج من الصين وروسيا. فأعربت تلك الدول عن خيبة أملها لأن الفيتو منعها من معاقبة النظام السوري على جرائمه. لكن موقف روسيا والصين فضح خضوع المنظمة الدولية منذ سنوات طويلة إلى القطب الأميركي الأوحد الذي يطالب بتشديد الضغوط الدولية على النظام السوري لإجبار رئيسه على التنحي.

أثبت الصراع على سوريا في مجلس الأمن أن المنظمة الدولية لم تعد أسيرة الهيمنة الأميركية، وهي الآن أمام اختبار جديد قد يضطرها إلى إعادة النظر في مواقفها السابقة بعد بروز نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. وبرز تساؤل مزدوج:

أ-هل يحق لمن يمتلك قرار الفيتو في مجلس الأمن الاستمرار في تعطيل عمل المنظمة الدولية؟

ب- وهل تستمر الولايات المتحدة في سياسة الكيل بمكيالين في المنظمة الدولية نفسها؟ ولماذا تعتبر الفيتو الصيني أو الروسي مخزيا ويعطل الشرعية الدولية ما دامت قد استخدمته عشرات المرات لحماية إسرائيل من العقوبات الدولية ومنعت الفلسطينيين من الحصول على حقوقهم المشروعة التي ضمنتها لهم الشرعية الدولية؟ ورغم موافقة أكثر من مئة وثلاثين دولة على قبول عضوية دولة فلسطين كاملة فيها، لماذا تهدد أميركا باستخدام الفيتو لمنع قيامها؟

كشف الصراع على سوريا أن التحالف الروسي الصيني في مجلس الأمن قد يعيد التوازن لدور الأمم المتحدة في حماية السلام العالمي. وتلاقى الروس والصينيون على منع قوات الناتو من احتلال سوريا بالقوة العسكرية. فلسوريا موقع استراتيجي هام، وانهيارها يؤدي الى حرب أهلية مدمرة تهدد منطقة الشرق الاوسط بأكملها. ويحتاج الشعب السوري إلى إصلاحات فورية تنفذ تدريجيا من خلال حوار مسؤول بين قوى السلطة والمعارضة، وذلك برعاية الأمم المتحدة. ولا يجوز أن تتخلى المنظمة الدولية عن دورها في إيجاد حلول عقلانية لمشكلات دولية تهدد السلام العالمي.

طالبت الصين وروسيا مرارا بدور فاعل لمجلس الأمن في إيجاد حل سلمي لمشكلات الشرق الأوسط، لكن تعنت إسرائيل المدعومة أميركيا، عطل دور الأمم المتحدة، وأثبت عجز المنظمة الدولية عن جمع اطراف النزاع على طاولة المفاوضات المتوقفة منذ زمن بعيد. فتراجعت صدقيتها بعد أن قدمت التغطية لحرب أميركا على العراق وأفغانستان وليبيا. وبإسقاط النظام السوري تتحول منطقة الشرق الأوسط إلى بحيرة للنفوذ الأميركي – الإسرائيلي.

حثت روسيا والصين المجتمع الدولي على التمسك بميثاق الأمم المتحدة القاضي بإلزام جميع دولها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. على أن تدعو القوى المتناحرة إلى تجنب العنف لمنع وقوع المزيد من النزاعات الدموية. وطالبتا الحكومة السورية القيام بإصلاحات عاجلة، على أن يحتضن المجتمع الدولي مناخا حواريا يضمن احترام استقلال سوريا وسيادتها، ووحدة أراضيها. وعلى الأمم المتحدة أن تساهم إيجابا في تسوية الخلافات بين القوى السورية المتنازعة بالطرق السلمية.

بيد أن التدخلات الإقليمية والدولية دفعت الأوضاع في سوريا نحو مزيد التصعيد والتأزم. وسارت الجامعة العربية في معالجتها للأزمة السورية من مأزق إلى آخر. فعجزت عن إيجاد حل مقبول للأزمة السورية المستمرة منذ قرابة العام. وأملت كل من روسيا والصين أن تجد الأزمة السورية تسوية ملائمة في إطار جامعة الدول العربية. وأيدتا الجهود التي بذلتها الجامعة للوصول إلى حل سياسي يضمن الاستقرار في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط. لكن الجامعة تنكرت، ميثاقها الداخلي فقررت تعليق عضوية سوريا في الجامعة كخطوة متسرعة وخاطئة. أما قرار سحب المراقبين العرب، ومن ثم تعليق مهمتهم فهو قرار غير عقلاني. كذلك قرار تعطيل دورها بنقل الأزمة إلى مجلس الأمن.

بعد أن حملت الجامعة الأزمة السورية إلى مجلس الأمن، بدأت منذ 31 كانون الثاني 2012 معركة سجالية حادة داخل المجلس لتقرير مستقبل النظام السوري بدعم خارجي. وبات المجلس ساحة لتبادل الرسائل الدولية في مرحلة حافلة بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وفرنسا وغيرها. وتلقى المعارضة الدعم الكامل من غالبية الدول العربية، ومن جامعة الدول العربية وتركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرها. بدوره، يتلقى النظام السوري دعما كبيرا من روسيا والصين. فتقدمت دول عربية وغربية بمشروع قرار مشترك إلى مجلس الأمن الدولي يطالب بتنحي الرئيس السوري وفق سيناريو لحل سياسي في سوريا على الطريقة اليمنية. بالمقابل، قدمت روسيا، بتأييد من الصين، نص مشروع يدين جميع الأطراف السورية لاستخدامها العنف، ويدعو إلى حوار سياسي مباشر لتسوية الأزمة السورية، واقترحت أن يكون الحوار على أراضيها. فرحبت الحكومة السورية لكن المعارضة رفضت مبدأ الحوار، قبل تنحي الرئيس السوري عن السلطة وتسليم مقاليد الحكم إلى نائبه.

تحمست روسيا والصين لمواجهة المشروع الغربي في مجلس الأمن. لذلك تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها تغيير مواقفهما الداعمة للنظام السوري. لكنهما تنظران إلى الأزمة السورية في إطار رؤية استراتيجية لحل أزمة الشرق الأوسط لا إلى تفجيرها. وهي رؤية شمولية ذات صلة بالاقتصاد العالمي الذي يعاني أزمة خانقة تجتاح معظم دول العالم الغربي التي تعاني مشكلات الديون المترتبة على بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة، ومخاطرها على دول العالم.

وتؤكدان على أن سياسة فرض العقوبات الاقتصادية غير مجدية لأنها تضر بمصالح الشعوب وليس الأنظمة. وليس من صلاحيات مجلس الامن تغيير الأنظمة السياسية في دول أعضاء بالأمم المتحدة. فمثل هذا الموقف يشكل منحى خطيرا يضعف هيبة الأمم المتحدة ويدخلها في صراع المحاور الدولية الكبيرة.

بعد أن وصلت الأزمة إلى مجلس الأمن بات على المجتمع الدولي الاضطلاع بدور ايجابي وبناء لحل الأزمة السورية عن طريق جمع أطراف الصراع لفرض تسوية سياسية شاملة. فسوريا دولة مهمة في الشرق الأوسط. والمحافظة على أمنها واستقرارها يخدم مصلحة شعبها وشعوب المنطقة. ولا بد من حل سلمي للأزمة السورية، ودعم الوساطات التي تقوم بها دول ومنظمات عربية وإقليمية ودولية لإيجاد تسوية شاملة لأزمة الشرق الأوسط. فهل ينجح مجلس الامن في منع إصدار قرارات تستخدم ذريعة لتفجير هذه المنطقة؟

كاتب واكاديمي لبناني

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى