التجربة الديمقراطية في ظل الربيع العربي
الديمقراطية هي حكم الشعب، أوهي دولة عامّة الشعب, ولعله شيء يثير الانتباه الترجمة العربية الشائعة لمصطلح الديمقراطية بأنه: حكم الأكثرية، علماً أنه في الديمقراطيات، لا توجد أكثرية وأقلية، فهذا شيء متغير من جولة انتخابية إلى جولة انتخابية أخرى، ومفهوم الأكثرية والأقلية في الديمقراطية هو مفهوم سياسي بحت، ففي جولة إنتخابية قد يحظى ذاك الحزب بأكثرية الأصوات، وفي جولة إنتخابية تالية قد يخسرها.
التجربة الديمقراطية الأولى كانت في تونس، ويبدو أنها الأنجح إلى اليوم، حيث حصل حزب النهضة في تونس على حوالي مليون وخمسمائة ألف صوت من مجمل أربعة ملايين ممن شاركوا في الإنتخابات، أي بنسبة تعادل 35% من الأصوات، ما يعني حصول الحزب على حوالي 41% من المقاعد في المجلس التأسيسي (البرلمان)، ((في الصورة المرفقة تظهر تفاصيل النتائج)).
ولعل ما جعل الانتخابات التونسية الأنجح حتى اليوم، هو عدم سيطرة حزب واحد على الإنتخابات، الأمر الذي ينبئ بولادة تجربة ديمقراطية حقيقية. عدم حصول حزب النهضة على الأكثرية أي: (50+1%)، أجبر الحزب على التحالف مع أحزاب أخرى، واضعاً بذلك أسس الديمقراطية الصحيحة في التوافق. عندما يريد حزب واحد أو توجه فكري واحد أن يضع أسس الديمقراطية وحده من دون مشاركة غيره، فإنه بالمحصلة سيضع التجربة الديمقراطية في خطر. الديمقراطية التي يصنعها تيار واحد داخل أي بلد في العالم، لن تكون ديمقراطية حقيقية، لأنها لن تعبّر عن عامة الشعب كما يجب أن تكون الديمقراطية، ما يخلق مشاكل كثيرة داخل البلد بين التيارات الأخرى التي تمّ إقصائها. التجربة التونسية كانت ناجحة بعدة معايير، ولكن أكثر مايثير الانتباه هما نقطتان : 1) – القول إن حزب النهضة اكتسح نتائج الانتخابات، في حين أن الحزب خسر 65% من الأصوات, وربما أنّ شعور (الفوز الكاسح) للحزب الذي عبّر عنه الكثيرون، كان مجرد أمل لديهم . 2) – استمرار منع المنقبات من دخول الجامعة, مايخالف مبادىء الحريات العامة التي يجب أن تقوم عليها أيّ ديمقراطية تريد النجاح.
التجربة الديمقراطية الثانية كانت في المغرب. في المغرب لم يحدث مايمكن تسميته بالثورة، ولكن تأثير الربيع العربي كان واضحا، حيث ظهرت حركة احتجاجية مطالبة بإصلاحات جذرية، تم إثرها تغيير الدستور وتنظيم انتخابات برلمانية حرة، حصل فيها حزب العدالة والتنمية على 107 مقاعد من مجموع 395 مقعد داخل البرلمان ( 27% من إجمالي المقاعد). ومرة أخرى، رأينا انتخابات لم تؤدي إلى اكتساح الحزب الواحد أو التيار الواحد لنتائج التصويت، ما يعطي لهذه التجربة فرص النجاح .
التجربة الديمقراطية الثالثة كانت في مصر. ونتائج المرحلة الأولى من الإنتخابات تشير إلى حصول حزب الحرية والعدالة على 36,6% من الأصوات، وحزب النور على حوالي 24% من الأصوات، والتوقعات مع اكتمال المراحل الإنتخابية الثلاث، حصول حزب الحرية والعدالة مع حزب النور على حوالي 60-65% من مجمل الأصوات. وكما يظهر فإن نتائج الإنتخابات المصرية تؤكد خطأ المقارنة مع التجربتين التونسية والمغربية، فسيطرة تيار واحد هو أكثر من واضح. حصول حزب النور على 20% من الأصوات هو الذي أدى إلى سيطرة تيار واحد على الإنتخابات. نتائج حزب الحرية والعدالة وحدها تتقارب مع نتائج حزب النهضة في تونس، مايثير شكوكا كثيرة عند البعض حول نجاح التجربة الديمقراطية المصرية, فسيطرة تيار واحد على الانتخابات ستؤدي إلى إقصاء ال 35% من التيارات الأخرى، مما يسيء إلى دولة تريد أن تكون ديمقراطية تعبّر عن عامة الشعب. وهنا يجب الإشارة إلى حصول التيار السلفي في مصر على 24% من الأصوات، الأمر الذي لم نشاهده في تونس والمغرب. الكثيرون يفسرون وجود هذه النسبة المهمة للتيار السلفي بسبب العمالة المصرية في الخليج العربي، والتي ساهمت في هذا الإنتشار الهام للتيار السلفي في مصر. ولعل انتشار التيار السلفي خارج الخليج العربي بنسبة مهمة نجده بشكل خاص في مصر، وبالدرجة الثانية في الأردن. الدعاية الإنخابية، واستخدام الشعارات الدينية تجاوز بكثير ما رأيناه في تونس والمغرب بالرغم من حظر استخدامها. التيار السلفي لا يعترف بالديمقراطية، بل إن كانت نظرته هي السائدة قد تتغير الكثير من الصورة التي نعرفها عن مصر، فصوت أم كلثوم هو عورة، وأدب نجيب محفوظ هو رذيلة، والحضارة المصرية هي عفنة… إضافة أنّ بعض العلمانيين ساهموا بشكل غير مباشر في سيطرة هذا التوجه بتسطيح وتسخيف نقاشاتهم، فمثلا شاهدنا نقاشات سخيفة حول البكيني وكأنه أولوية، في حين أنّ النقاش يجب أن يكون أولاً حول مسائل الفقر والبطالة والأمية التي تعاني منها مصر بشكل كبير, وبالدرجة الثانية أن يتناول الحريات العامة والثقافة الديمقراطية المتمثلة في احترام الاختلاف السياسي والديني والفكري, احترام الحضارة المصرية التي قدمت للعالم الكثير وعدم وصفها بالعفنة, احترام حقوق الإنسان, احترام حقوق المرأة, احترام حرية الإختيار …عدم احترام كل هذا وغيره لن يحقق الديمقراطية.
العلماني الذي يريد فرض شيء على مجتمع محافظ كالمجتمع المصري سيكون مخطئا وغير ديمقراطي في عدم احترامه لحرية الاختيار, والإسلامي الذي يريد فرض ما يريده على عامة المجتمع، لايحترم من يعارضه وسيكون غير ديمقراطي أيضا. الديمقراطية لا يمكن أن تنجح من دون التوافق، ولهذا يمكن لنا أن نتوقع لتونس النجاح و لمصر عوائق كثيرة ونقاشات بيزنطية حول مسائل مثل: هل نمنع البيكيني؟ أو هل نغطي التماثيل المصرية بالشمع؟!. لعل التجربة المصرية تتلخص فيما قال أحد المواطنين المصريين :” أنت لمْ تنتخب الإخوان؟ لماذا؟ أنت لست مسلما؟ “.
التجربة المصرية قد تتكرر في دول مثل ليبيا أو حتى الأردن لكن لايمكن أن نتوقع تكرارها في دولة مثل سوريا، حيث عدم تجانس المجتمع هو سمة جلية وواضحة. في دولة مثل سوريا قد نشاهد تكرارا للتجربة التونسية أو المغربية، مع حصول حزب يمثل الإخوان المسلمين على نسبة تصويت ما بين 20-40% ما يضمن نجاح التجربة الديمقراطية. التوافق سيكون أساس نجاح أي تجربة ديمقراطية. في سوريا نسمع البعض يقول إن الإخوان لن يحصلوا على أكثر من 10% من الأصوات , ونسمع آخرين يقولون إن الشعب بأكثريته هو مسلم، ولهذا فإن حزبا إسلاميا سيفوز بنتيجة كاسحة. كلا القراءتين هما على خطأ. التجربة السورية المأمولة ستختلف عن التونسية والمغربية والمصرية بسبب عدم التجانس الكبير في المجتمع, التجربة السورية قد تكون قريبة من التجربة التونسية في نسبة التصويت لحزب إسلامي (35%) , لكن التجربة السورية ستختلف عن التجربة المصرية (حيث في سوريا نسبة الأمية ليست 30%), (التيار السلفي لا يشكل 20% من المجتمع). مدى نجاح حزب إسلامي في سوريا سيلعب فيه خطاب العلمانيين دورا كبيرا, إضافة إلى الأخذ بسياق التجربتيتن التونسية والمصرية.
في عالمنا العربي أصبح وصف “العلماني” رديفا لأوصاف مثل ” الملحد – الكافر – محارب الإسلام “… وربما على العلماني محاولة التقليل من استخدامه لكلمة “العلماني”، واستبدالها بكلمة أخرى مثل “الديمقراطي” , فالديمقراطية تشمل مفاهيم حقوق الإنسان والحريّة الفكرية السياسية الشخصية وغيرها.
نشاهد أن نسبة لابأس بها من السوريين هم نوعا ما في حالة خوف من تكرار التجربتين التونسية والمصرية، وكأن حزب النهضة التونسي لم يخسر 65% من الأصوات, أو وكأن التيار السلفي في سوريا يشكل واحدا من كل خمسة مواطنين سوريين كما هو حال السلفيين في مصر, وكأن الانتخابات في سوريا ستكون تصويتا حسب الصورة على الورقة الانتخابية كما حدث في مصر.(هل تعلم أنه في مصر ثلاثة من كل عشرة مواطنيين أعطى صوته حسب الصورة على الورقة الإنتخابية بسبب عدم القدرة على القراءة؟. فمثلاً من صوّت لحزب النور صوّت للفانوس، ومن صوّت لعبد المنعم شحات صوت لصورة السماعة الطبية..). إنّ وضع التجربتين التونسية والمصرية مع التجربة السورية التي نطمح لها في سلة واحدة هو إمّا تسطيح وتبسيط بسبب عدم القراءة الجيدة، أو إمّا أمر مقصودٌ للتخويف فقط لا أكثر…