صفحات المستقبل

“سوق السنّة” هل هو الفصل الأخير من مأساة وطن؟! …


بقلم ثبت الجنان

سنة ونصف وهذا الشعب المكلوم يقدم الشهداء تترى، سنة ونصف وهذا الشعب يتحمل كل أشكال القمع والحرمان والظلم والاستبداد، وما زلت المأساة تتوالى فصولها.

الفصل الجديد من الفصول المتجددة هو ما أطلق عليه شبيحة النظام “سوق السنة” وهو سوق موجود في الأحياء الموالية يتم فيه بيع الأغراض المنهوبة من بيوت أهل حمص التي تم اقتحامها، ففي هذا السوق يتبضع أهل تلك الأحياء سلعاً منهوبة يعتبرونها غنائم مشروعة، وبأسعار زهيدة، فالغسالة الآلية بسعر ثلاثة آلاف، وحاسوب محمول بسعر خمسة آلاف، وغرفة نوم من نوع فاخر ببضعة آلاف والسعر قابل للتفاوض.

لا يمكن للمرء تخيل أن يصل حجم الشحن الطائفي الذي مارسته وسائل إعلام النظام إلى هذا المستوى ليوقع بين أبناء الشعب الواحد بهذه الطريقة الممعنة بالدناءة، وليجعل الموالين للنظام يعتبرون شعباً بأكمله عبارة عن إرهابيين يجوز ذبحهم وسحقهم وقتل أطفالهم ونهب أغراضهم.

وحتى لا يتبجح أحد ويتهم كلامي بعدم الصحة فسأورد بعض أمثلة بسيطة من أمثلة هائلة تقوم بها الآلة الإعلامية للنظام وتنشر الشحن الطائفي بطريقة مرعبة لتضليل الموالين للنظام وتجعلهم يشحنون طائفياً ضد باقي أبناء الشعب وكل هذا ليظهر النظام بأنه صمام الأمان الذي يحمي بعضاً من أطياف الشعب في وجه إرهابيين قتلة.

المثال الأول يعود للأيام الأولى للمظاهرات، يومها لم يكن بعد هتاف إسقاط النظام متداولاً بل مجرد دعوات للحرية والقضاء على الفساد المالي وكان من ضمن الهتافات هتاف “بدنا نحكي عالمكشوف حرامية ما بدنا نشوف لا ذو الهمة ولا مخلوف” وطبعاً النظام الذي يضحك على عقول الموالين له أراد أن يوصل لهم صورة ظلامية عما يجري، فما كان من بعض صفحات التأييد على الفيسبوك التي تكاثرت كالفطر إلا أن قامت بأخذ أحد الفيديوهات الذي يصور هذا الهتاف وقامت بمنتجته وقدمته لجمهور المؤيدين على أنه هتاف يقول ” بدنا نحكي عالمكشوف علوية ما بدنا نشوف” كدت أجن وأنا أرى ذلك التزييف الوقح، وأنا بذاتي كنت أسمع بأذني الهتافات في المظاهرات التي شاركت بها هتافات تطالب بالحرية لكل أطياف الشعب السوري “حرية حرية إسلام ومسيحية سنية وعلوية درزية واسماعيلية”

وهناك مثال ثان أيضاً حول هتاف ” هز كفك هزو هز دين محمد كلو عز دين عيسى كلو عز” فما كان من تلك الصفحات إلا أن أخذت ذلك الفيديو ومنتجته وقدمته للمتابعين على أنه هتاف يقول ” دين عيسى كلو هز” للدلالة على أن المشاركين بالتظاهرات إسلاميون يحقدون على المسيحيين، وبالطبع فهذا كلام عار عن الصحة لأني شخصياً كنت أشارك بهذا الهتاف الذي يقول “دين عيسى كلو عز” هذا ناهيك عن أن العقيدة الإسلامية تعتبر من يسخر من الدين المسيحي شخصاً كافراً لأن المسلم يجب عليه أن يؤمن بالمسيح وكل الأنبياء.

والمثال الأبرز والذي يعرفه الجميع هو ما روجه النظام ووسائل إعلامه وأبواقه لما جرى قرب صيدا في درعا، عندما خرج أهل القرى المحيطة بدرعا بالآلاف وهم يحملون الطعام ليكسروا الحصار عن درعا، وهذا مثبت في الفيدوهات التي توثق أنهم كانوا عزلاً لا يحملون سوى الطعام وكان معهم حمزة الخطيب فتقوم قوى الأمن بنصب كمين لهم بالقرب من مساكن صيدا وترتكب مجزرة مروعة بحقهم وتعتقل العشرات، ليتم تقديم تلك المجزرة إلى الرأي العام على أن هؤلاء مجرد إرهابيين كانوا ينوون سبي نساء الضباط، وهذه الأكذوبة ساهمت بخلق شحن طائفي مرعب عمل عليه النظام وسعى له، نعم إنه الشحن والبروباغاندا والتشويه الذي جعل الشهيد حمزة الخطيب عندهم وهو الطفل البريء مجرد مغتصب للنساء، إلى درجة جعلت بعض المؤيدين المشحونين يقولون انه ليس بشهيد! إلى درجة أنه قالوا أنه ليس بطفل، رغم أن الفيديو الذي يصور جثته بعد وفاته تحت التعذيب يظهر لكل من له بصر أن جسده جسد طفل فليس هناك من شعر على جسده يدل على أنه بلغ مبلغ الرجال، ولكن لمجرد أن قام صفحات النظام ووسائل إعلامه وأبواقه بالقول إن حمزة كان هناك ليغتصب نساء الضباط أغلق المؤيدون عقولهم عن سوى ذلك ومضوا لا يلوون على شيء، وحتى بعد انشقاق آفاق أحمد عن المخابرات الجوية وكشفه للحقيقة وكيف أن المخابرات الجوية هي من روجت تلك الأكذوبة وساهم أبواق النظام في انتشارها وأن حمزة اعتقل ورآه سليماً في زنزانته وأنه مات تحت التعذيب، وأن من قتلوا في تلك المجزرة لم يكونوا سوى مدنيين عزل يحملون الطعام لأهل درعا، لا زلنا نجد أن مؤيدي النظام لم يغيروا قناعاتهم قيد أنملة تجاه أي شيء يخص النظام ولا حتى مجرد نقد صغير.

إن هذه الامثلة غيرها كثير عن العد والإحصاء بيد أني سأكتفي بها لمقتضيات كتابة المقالة، وهي أمثلة كافية لإثبات القول بأن هذا الشحن المرعب الذي حدث كان سببه النظام ووسائل إعلامه منذ أول يوم، هذا الشحن الذي تم تفريغه على شكل مجازر كمجزرة الحولة التي ارتكبتها القرى الموالية المحيطة بالحولة، وكمجزرة القبير وكرم الزيتون وغيرها، وليكون من يرتكب تلك المجازر وينهب البيوت يقوم بذلك الفعل دون أن يعتريه أي ندم أو إحساس بذنب، فلقد اعماه الشحن الطائفي الذي تلقاه من محيطه عن أي إحساس إنساني وأخلاقي.

الصفحات المؤيدة التي أنشئت على غرار صفحات المعارضة وبأسماء مستنسخة وتصاميم مسروقة وحسابات وهمية قد تصل إلى خمسين حساب للشخص الواحد (كما اتضح من حساب تم اختراقه لبعض من يديرون تلك الصفحات) كانت المصدر الأول لتقارير قناة الدنيا وباقي قنوات النظام التي كانت مهمتها إيصال هذا التزييف المقيت الذي يفرق بين الشعب إلى باقي من لا يطالون الوصول للإنترنت، وبالطبع نجد أن مصدر صناعة الكذب والشحن الطائفي هو تلك الصفحات، والمتابع لتلك الصفحات لا يضنيه جهد في اكتشاف حقيقة من يقف وراء ذلك الشحن الطائفي المرعب، وهي كما قلت المصدر الاول له، لأن الإنترنت بات هو المصدر الاول للمعلومات و للمواد الإعلامية المصورة، رغم أن تلك الصفحات في الواقع مفلسة إعلامياً هي وقنوات النظام، فكل عملها هو سرقة فيديوهات المعارضة وإعادة فبركتها ومنتجتها وتقديمها بصورة مشوهة ومجتزأة ومغايرة للحقيقة وتحوي الكثير من الشحن الطائفي.

إن البروباغاندا السوداء التي تروجها وسائل إعلام النظام كان لها دور فعال في انقسام المجتمع وشحنه واصطفافه، إضافة لتضليله وخلق جو ضبابي من المعلومات المغلوطة تشوش الحقيقة وتهدف إلى الاستمرار بخداع جزء من الرأي العام الذي يتم جذبه بعامل طائفي ذكرنا جانباً منه، فترى أن الكثيرين من المؤيدين على آثار وسائل إعلام النظام يهتدون، وهذا ديدنهم منذ أول يوم وحتى مرور عام ونصف دون أن يكلف واحدهم نفسه عناء النزول إلى أقرب مظاهرة ليرى حقيقة ما يحدث فيها.

ومن هنا نجد أن المؤيدين أصبح عندهم تراكم لنسق طويل من الكذب الممنهج الذي مورس عبر وسائل إعلام النظام لدرجة أصبح مزيجاً من السفسطة والبروباغاندا وهذا المزيج أصبح شديد الاستمراء لديهم، خصوصاً حلقات كتلك التي يقدمها رفيق لطف، فصار كلامه كالشرع عندهم غير قابل للشك، لدرجة أعمت عيونهم عن حقيقة أن المذكور ومنذ البداية معلوم أنه متخصص بالاجتزاء والكذب والمونتاج والمكساج الذي يقلب الحقائق بصورة سخيفة أحياناً (أبسط دليل يمكن نسف كلام رفيق لطف كله به الفيديو الذي فبركه رفيق لطف ومنتجه لاتصال ساخر لحسين جبري أبو زهير وجعل منه تاجر سلاح في غرفة سوداء وتم بثه على قناة الدنيا، طبعاً لاحقاً قام الأخير بالاتصال برفيق لطف وفضح كذبه على رؤوس الأشهاد وهناك عدة مقاطع على اليوتيوب حول ذلك)

هذا الشحن المتراكم وحملات التشهير والتخوين وشيطنة غير المؤيدين إضافة لسياسة الإنكار التام لأي شيء يدين النظام من قبل وسائل إعلام النظام إضافة للشحن (ذو الطابع الطائفي غالباً) على مستوى الأقارب الذين لهم صلات ومناصب أمنية او عسكرية أو سياسية في هذا النظام، خلق أناساً الحقد هو سمتهم الأساسية، وقد أفرغوه بشكل مرعب على كل من وقع في أيديهم، فكنا نراهم يأتون لقمع التظاهرات يحملون ما تيسر لهم من العصي والقضبان المعدنية والسكاكين والسيوف والأسلحة النارية جنباً إلى جنب مع قوات الأمن لسحق المتظاهرين ومن يسقط في أيديهم ينهالون عليه ضرباً بلا رحمة بكل ما تحمل أيديهم من وسائل فتاكة حتى يلفظ أنفاسه، أولئك الأشخاص أنا رأيتهم بعيني رأسي عندما شاركت في المظاهرات منذ البدايات حتى لا يتبجح أحد في وجهي ويقول لي أنك تتابع قنوات “مغرضة” فحتى الجامعات كنا نرى بعض الطلاب كيف يتحولون إلى شبيحة يحملون القضبان والعصي لسحق زملائهم الطلاب.

سيقول قائل وماذا عن القنوات المقابلة مثل الجزيرة وغيرها ألا تساهم في شحن المجتمع السوري؟ والجواب أن تعليق كل ما يجري على شماعة الجزيرة والعربية وكأنها هي من تصنع الأحداث هو إفلاس حقيقي، لأن الجزيرة أصلاً لم تكن حاضرة منذ بداية الثورة وهي تجاهلت الشأن السوري في البداية بشكل واضح كي لا تصعد الأمر، وقد كانت العلاقات بين النظام وقطر على أحسن أحوالها، ولكن بلغت الأحداث في سوريا درجة لا يمكن تجاهلها ولا يمكن لأي قناة تحترم نفسها أن تغمض عينها عما يجري، فهناك فرق بين من ينقل الحقائق كما هي وبين من يصنع الكذب ويشحن المجتمع ليحافظ على منصب أو مكسب.

سأنأى بنفسي عن تلك التسمية البغيضة التي أطلقها شبيحة النظام على سوق الأغراض المنهوبة من بيوت أهل حمص الشرفاء، أهل حمص الذين لم تكن جريمتهم سوى أن قالوا لا للظلم لا للاستبداد، ترى أين يمكن إدراج تصرف بعض من كنا نعتبرهم إخوة لنا في هذا الوطن ونشاركهم الحياة بحلوها ومرها ؟! ماذا فعل لكم أهل حمص حتى تجازوهم بهذا الجزاء؟ ماذا فعل لكم السوريون حتى تقترفوا بحقهم هذه الأفعال؟ أي شحن هذا الذي حولكم إلى حاقدين بهذا الشكل؟ إلى أن تسمحوا بأن تنصب المدافع من أحيائكم تضرب حممها على إخوتكم في أحياء مجاورة؟ إلى أن تعيشوا حياتكم على طبيعتها في أحيائكم تصنعون “أكبر سيخ شاورما” وتفتحون محالكم وتأكلون وتشربون ملئ راحتكم وجيرانكم من الأحياء الأخرى دكت بيوتهم بالقذائف وقتلوا وهجروا، أفإن طالبنا بحرية وعدالة وديمقراطية أفكنا سنمنعها عنكم فلا تذوقون ثمارها؟ أفإن طالبنا بتوزيع عادل للثروة وتداول صحيح للسلطة أفكنا سنمارس عليكم استبداداً ونمنعكم حقاً؟ إني ليحزنني أن هناك منكم من هم حالهم رث من الفقر بيد أنهم يناصبون العداء والحقد لمن سعوا منذ أول يوم ليقتسموا معهم الحرية والكرامة والعدالة، فكان جزاؤهم أن يقتلوا ويهجروا وتنهبون بيوتهم وتبيعونها في سوق لكم وتحسبونه مكسباً يرفع من حالكم وهو في الحقيقة درك أسفل لا قرار له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى