التجنيد الإجباري في سورية… خدمة حتى الموت/ نور عويتي
عمل النظام خلال السنوات الماضية على استنزاف طاقاته الشبابية، من خلال التجنيد الإجباري، الذي تحوّل من أزمة يعاني منها الذكور في سورية في نهاية عقدهم الثاني، إلى “مشكلة وجودية”، تلاحق الرجال السوريين مهما بلغ عمرهم ومهما كانت مكانتهم الاجتماعية والثقافية.
بالنسبة للشباب الجامعين، فقد كان يسمح لهم قبل الثورة، أن يؤجّلوا الخدمة الإلزامية حتى إنهاء دراستهم، مهما طالت مدة الدراسة، ولكن منذ اندلاع الثورة، وضعت شعبة التجنيد قوانين تضبط بها تأجيل الجامعيين للخدمة الإلزامية.
ففي عام 2011، أصدر بشار الأسد المرسوم الرقم 36، الذي تناول فيه تعديلات لحالات تأجيل خدمة العلم الإلزامية، واحتوت تلك التعديلات الكثير من الشروط والأحكام التي كان هدفها التضييق والضغط على الشباب السوري للالتحاق بالجيش، وطاولت تلك الضغوطات الشباب الجامعي، فحدّدت العمر الأقصى للتأجيل الدراسي لكل مرحلة، فلم يعد يُسمح للطلاب الجامعيين أن يؤجّلوا خدمة العلم بعد سن 27، وأمّا تأجيل طلّاب الدراسات العليا، فحدّد بسن 31، وبالنسبة لطلاب المعاهد المتوسّطة، فحدد العمر الأقصى للتأجيل بـ21 عامًا، وأضاف المرسوم أيضًا، قانونًا يمنع الطلاب الجامعين من التأجيل الدراسي في حال رسوبهم لسنتين متتاليتين.
وبالتناغم مع هذا القرار، عملت وزارة التعليم العالي على تسهيل العملية الانتقالية من سنة إلى أخرى، من خلال إضافة الدورات التكميلية في فصل الصيف، لمن لم يستطيعوا ترفيع موادهم في الفصلين الرئيسيين، وكذلك شهدت الجامعات السورية نجاح الطلاب رغم حملهم بعض المواد من السنوات السابقة. ومن الواضح أن الهدف الرئيسي من تلك التسهيلات، هو تسريع عملية الالتحاق بالجيش، إلا أن تلك التسهيلات أدّت إلى تراجع المستوى التعليمي في الجامعات السورية بشكل ملحوظ.
ازدادت التعقيدات والقوانين المتعلّقة بالتأجيل الدراسي في السنوات الأخيرة، وتمّت إضافة قوانين أخرى. فمؤخرًا، لم يعد يُسمح للطلّاب الحاصلين على شهادة جامعية، الالتحاق بالدراسات العليا، لأولوية وضعها النظام السوري، وهي التحاق الشباب بالجيش لخدمة الوطن، كما شهدت السنوات الماضية إلغاء قوانين كانت تُساعد خرّيجي الجامعات على التهرّب من الحياة العسكرية، ففي الماضي، كان يُسمح لخريجي الجامعة، أن يؤجّلوا خدمة العلم سنتين تأجيلًا إداريًا، ولكن تم إلغاء هذه النوع من التأجيل في السنة الماضية بشكلٍ نهائي.
إضافةً إلى ذلك، فرض النظام السوري حصارًا على الشباب من خلال منع مغادرتهم الأراضي السورية، إلا بموافقة مسبقة من مديرية التجنيد العامة، التي من جهتها تدرس طلب إذن السفر، ومن الممكن ألا تمنحه للمتقدّم، وفي حال حصوله على الإذن، يُمنح مدة تسعة أشهر لمغادرة البلد، إلا أن هذه المدّة تم اختصارها في نهاية العام الماضي لتصبح ثلاثة أسابيع لا أكثر.
ومن ناحية أخرى، شُدّدت العقوبات في حق المتخّلفين عن الخدمة العسكرية، دون أي عذر، ليُعاقب بالخدمة الإلزامية من تاريخ إلقاء القبض عليه حتى بلوغه سن 42، وجدير بالذكر، أنه، ومنذ اندلاع الثورة، لم يتم تسريح الشباب السوريين من الجيش، بحجّة الحرب والاستنفار العام، وعُلّقت حياتهم المدنية بانتهاء الحرب، فمصير الشباب الذين أُرغموا على الخدمة الوطنية، هو إما الموت على جبهات القتال أو الاستمرار في خدمة العلم إلى أجل غير مسمّى، أو الهرب والسفر لدول الجوار دون هوية، لتمضية سنوات عجاف من حياة اللجوء دون أوراق قانونية.
ورغم كل تلك الضغوط، إلا أن المجالات كانت مفتوحة أمام من يمتلك المال لدفع المبالغ الباهظة، فالمعاهد والجامعات الخاصّة كانت قادرة على منح المسجّلين بها تأجيلًا دراسيًا، وأما الجامعات الحكومية المجانية، فاتبعت طريقة تعسفية، وفرضت قوانين صارمة في حقّ الطلاّب الذكور. فمع بداية العام الجديد، شهدت جامعة دمشق إعلانًا غريبًا من نوعه؛ حيث صدر قرار باسم الجامعة، وُجّه فيه إنذار، يهدّد الطلاب الشباب المتغيّبين عن الدوام، بأن ترسل أسماؤهم إلى شعبة التجنيد مباشرةً، باعتبارهم مستنكفين عن الدراسة.
هذا التهديد المباشر، ليس ببعيد عن الواقع في سورية، حيث إنّ التعليم وتشكيل كوادر علمية تهتم ببناء سورية من جديد، هو من الكماليات لا أكثر، فهدف النظام الأساسي هو تكوين جيشه الأسطوري، المكوّن من “دروع بشرية”، وجنود تم إجبارهم وسوقهم للاقتتال دون رغبة منهم غالبًا.
ضفة ثالثة