التضحية لإنقاذ سوريا
د . عبدالله عمران
ذهبت كل النصائح للنظام السوري، منذ بداية الاحتجاجات في سوريا، أدراج الرياح، وها هو العنف الدمويّ يحاصر سوريا، وينزف من كل الخاصرات، ولا يلوح في الأفق ما يبشر بنهاية وشيكة .
وجهنا في “الخليج” يوم الحادي عشر من يونيو/حزيران من العام الماضي، رسالة هادئة وصريحة إلى الرئيس بشار الأسد، وقلنا فيها “إن الاستدراك لايزال ممكناً” رغم انكسار هيبة النظام، وطلبنا فيها منه “مجازفة سلمية عاجلة، هي أقل من خسارة سوريا، وانهيار مجتمعها وإراقة دماء أبنائها” .
لم يسمع النداء أحد، وها هو غسق سوريا يوشك أن يبدأ، وزلزال تاريخي في الإقليم مرشح أن يتمدد ويطول، وسوريا ومجتمعها ودولتها ومؤسساتها مهدّدة بالانهيار والعطب .
والسؤال مازال: هل يسارع النظام السوري إلى مقاربة مغايرة، توقف سفك الدماء، وتدمير الوطن، وتحويل السوريين إلى لاجئين ونازحين، أو أن الوقت صار متأخراً، والثأر والعناد والرهانات على المجهول هي الحاكمة؟
هل يدرك الذين وقعوا في الحفرة السورية، وأولهم النظام الحاكم، أن انفجار سوريا قد يقود إلى نماذج معروفة أقلها “اللبننة” و”العرقنة”، وأسوأها “الصوملة”؟
وهل يدرك الذين يعتقدون أنهم خارج الحفرة السورية أنهم خاسرون حتى ولو ظنوا أنهم يستثمرون “ريع” وقوع منافسيهم في الحفرة البائسة؟ هل تدرك موسكو وبكين وبغداد وطهران وغيرها، هذا الفخ؟
سوريا والمنطقة أمام منعطف خطر، مفتوح على المجهول، أقله ارتدادات زلزالية تختلط فيها الأوراق . فهل يستيقظ النظام من عناده، وتسارع الأطراف الإقليمية الموثّرة فيه، وتلك المؤثرة في “المعارضات”، إلى مقاربة مغايرة، توقف كرة النار ، وتطفئ لهيبها، وتفتح الباب أمام الحل الانتقالي السلمي التفاوضي الذي اقترحه إعلان جنيف؟
الدم السوري المراق، يتعاظم يوماً بعد يوم، إلى درجة قد يتحوّل إلى طوفان، وحرب أهلية أكثر دموية وأكثر تشظيّاً . وتطييفاً، وأكثر دماراً من حروب أهلية سابقة في المنطقة . فهل يدرك النظام الحاكم، والفرقاء الحريصون على سوريا، وطناً ودولةً، والمنخرطون في “المسألة السورية”، هذا المسار الدموي الشمولي في أبعاده، وفي سياقاته الإقليمية والدولية؟
وإذا كانت القيادة السورية، على رأسها بشار الأسد، مدركة لهذا المسار الدموي الذي يجتاح البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وإذا كانت واعية أن تبعات ذلك مدمرة للوطن والشعب من حيث احتمالات تمزقهما وتفتتهما، فهي إذاً مطالبة بالإقدام على التضحية للحيلولة دون أن يأخذ هذا المسار نهاياته الكارثية المحزنة والمؤلمة . . والتضحية، يا سيادة الرئيس، بالسلطة ثمن زهيد من أجل إنقاذ الوطن، ومن أجل الهروب من الفتنة المشرعة أبوابها، وقبل أن نتمنى ذلك ولا نجده .
هذا ما تنتظره سوريا لتبقى، وتبقى لها وحدة شعبها وأرضها .
الخليج